حاولت عدة منابر إعلامية وأقلام عربية ووطنية تحذير شعوب الوطن العربي من محاولات إثارة الرأي العام وبثّ الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وأيضًا مع الحلفاء ممن كان لهم مواقف داعمة ومساندة لإستقرار الشرق الأوسط والتأكيد على ضرورة الحرب على الإرهاب ومحاربة التطرف والتشدُّد.
الأزمة الدائرة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره التركي رجب طيب أردوغان وداعميه حيث نظام الحمدين وعناصر جماعة الإخوان الإرهابية، كانت واضحة لدى المُتابعين والمُتخصصين، ومن يُتابعون الملف السياسي بالمنطقة بشكل عام؛ فقد تم إستغلال غضب الرئيس الفرنسي تجاه ما تشهده بلاده من تشدد وتطرف يؤذي أبناء وطنه إلى حد القتل. ويبدو أن بوادر الهدوء كلما تقترب من هذا الملف، يأتي من يؤججها ويُحاول إثارتها مرة أخرى؛ فبعد قتل المدرس الفرنسي الذي تسبب فيما شهدناه من جدل خلال الأسابيع الماضية، شهدت مدينة نيس الفرنسية وبالقرب من كاتدرائية نوتر دام، حادث طعن أودى بحياة 3 أشخاص حتى كتابة هذه السطور. ويأتي توقيت الحادث مُتزامنًا مع الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، ما يحمل مؤشرات بتكرار سيناريو مقتل صاموئيل باتي، وأنه ردًا على الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم. وهو ما يعمل على تأزيم الأمر ومواصلة تصعيده.
الملاحظ في الأمر أيضًا أن هذا الحادث الذي جرى صباح الخميس أتي بعد ساعات من تبني أحد أبرز الحسابات القطرية عبر موقع التدوينات القصيرة، تويتر إطلاق حملة جديدة في سياق النداء بمقاطعة المنتجات الفرنسية، ولكن هذه المرة عبر هاشتاج باسم #بدلالمنتجالفرنسيبتركي، وهو ما حاول العقلاء ذكره وتوضيحه أكثر من مرة بأن النداء بحملات المقاطعة الفرنسية وتأجيج الكراهية تجاه فرنسا ورئيسها لا يأتي من قبلهم لنصرة الرسول الكريم، وإنما لتحقيق أهداف تلك الأنظمة التي تعمل لصالحها وأطماعها فقط. وجاءت تغريدة فيصل بن جاسم آل ثاني قائلة: "أتمنى أن تنطلق حملة #بدلالمنتجالفرنسيبالتركي في باقي الدول العربية والإسلامية؛ فدولة تحترم الإسلام ونبيه الكريم أولى بالدعم ممن يُهين مقدساتنا ونبينا -ص-.. تركيا تستاهل كل الدعم والمساندة والمحبة.. جودة في الإنتاج ومعقولية في السعر ومعنا في نفس المركب ومصيرنا واحد"، وبهذا نرى أن "آل ثاني" لخص الأمر وأكده وكما يُقال بالعامية "جاب من الآخر"، فهذا هو الهدف الحقيقي من الدعوة لمقاطعة فرنسا، حيث الرغبة في التصدي لمقاطعة المنتجات التركية وما تُعانيه تركيا من إنهيار اقتصادي، فقطر هي الداعم والمُمول الرئيسي لتركيا وأردوغان، كما أن الموقف الفرنسي من تركيا ودعم فرض العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي على تركيا لا يروق لهم بكل تأكيد، ولذلك فإن حاولة من الانتقام من باريس نراها بشتى الطرق.
هذا ونرى أن ما يحدث من الحملات "السوشيالية"، والعمليات الإرهابية التي تشهدها باريس، هو السيناريو ذاته الذي عانت منه عدة دول عربية، دفعها الأمر إلى إعلان مقاطعة الدوحة دبلوماسيًا وتجاريًا منذ عام 2017، إضافة إلى إتخاذ موقف من النظام التركي الحاضن الأول لجماعة الإخوان الإرهابية، وهو ما يُشير وربما يؤكد على من هو الداعم الأول للإرهاب والتطرف حول العالم؛ فهي السياسة ذاتها التي يتبعها النظامين التركي والقطري.
الجدير بالذكر أيضًا أن ما يحدث في باريس يأتي في الوقت نفسه الذي وجهت فيه السفارة الأمريكية بالإمارات تحذيرًا لرعاياها بإحتمالات استهداف جماعات إرهابية للأمريكيين بالخليج، وتحذير نظيرتها بالرياض عن إحتمال وقوع هجوم أو سقوط صاروخ أو طائرة مسيرة على الرياض؛ ليبدو الأمر وكأنه نوع من شنّ الحرب على كل من يُحاول دعم قضايا الشرق الأوسط والحفاظ على أمنه واستقراره.
لهذا يجب على الجميع التحلي بالحكمة والعقل فالأنظمة المُعادية لأمننا واستقرارنا يبدو أنها تُعاني من حالة جنون بسبب ما تتلقاه من خسائر وهزائم متوالية، أمام حائط الصدّ العربي بقيادة مصر وأشقاءها حيث المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب دعم عدد من الدول الأوروبية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي تُحاول الأذرع نفسها محاربة فوزه بولاية ثانية بالإنتخابات الأمريكية المقبلة.