لم تعد الإصابة بفيروس كورونا فى مصر هى الأشهر فى الوقت الراهن، بل صار الاشتباه بالإصابة هو الأساس، ومؤخرا تسأل صديق أو زميل، ماذا حدث، فيقول بصورة تلقائية "اشتباه كورونا"، وكأن الأطباء فى المستشفيات عجزوا عن تشخيص الحالة والتعرف على الأعراض، مع العلم أنها باتت واضحة وتحددها بروتوكولات معروفة ومجربة، بما يضع علامات استفهام كبيرة حول هذا الموضوع، خاصة أن الوقت الراهن لم تعد المستشفيات العامة أو الخاصة تقدم خدمة المسحات عن الفيروس إلا فى أضيق الحدود، نتيجة ارتفاع أسعارها لحوالى 1260 جنيه.
خطر كبير جدا أن يتم تشخيص الانفلونزا الموسمية العادية باعتبارها فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، فالمستشفيات الخاصة تتعامل مع أى شخص يعانى من رشح وعطس أو فقدان حاسة الشم والتذوق أو الإسهال والمغص، على أنه مصاب بفيروس كورونا، مع العلم أن هذه الأعراض شائعة جدا وعامة وتتشابك مع عشرات الأمراض، إلا أن التعاقد مع شركات التأمين الطبي، يجعل الموضوع أشبه بالتجارة، فكل شخص يتخوف من إصابته بكوفيد 19، عندما يصل إلى المستشفى الخاصة يتم عمل تحليل دم ومجموعة من الفحوصات العامة، تحت بند اكتشاف الفيروس، مع العلم أن المسحات وحدها هى التى تقطع أن الشخص مصاب من عدمه، ليكون التشخيص بعد التحاليل التي يتحملها التأمين الطبي ويصل ثمنها إلى 300 أو 400 جنيه حسب تقدير الطبيب "اشتباه كورونا"، وهو أمر لا أعرف كيف يذكره "كتاب الطب"، فالعلم المبنى على الدليل يقول إما هذه الحالة مصابة أو لا، وإن كان هناك اشتباها أو عدم تأكد على الطبيب أن يصل في النهاية إلى إجابة قاطعة بأن المريض يعانى من كورونا فعلا أم لا.
خطر كبير جدا أن يتم إعطاء مريض مشتبه فى إصابته بفيروس كورونا بروتوكولات علاج كورونا، فلا نعرف الآثار الجانبية لهذه الأدوية على صحة هذا المريض، وما قد ينتج عنها مستقبلا، خاصة إن كان المريض يعانى أمراضا مزمنة مثل الضغط أو السكر أو مشكلات فى الكبد أو التنفس، فالأمر ليس مجرد بروتوكول كورونا، فما الفائدة أن نقدم للمريض علاجا دون أن ننجح فى التشخيص.
الشق الآخر في أزمة تشخيص "اشتباه كورونا" أنه يخلق حالة تكدس كبيرة في المستشفيات العامة والخاصة، ومعامل التحاليل، والمستلزمات الطبية، فمجتمع مثل مصر به 100 مليون شخص، قد يعانى منه 100 ألف شخص يوميا من أعراض الانفلونزا الموسمية، وهذا سيخلق ضغط غير طبيعى على النظام الصحى، خاصة في فصل الشتاء، مع تزايد حالات الانفلونزا بصورة كبيرة، كما أن هناك بُعد آخر للأزمة يتعلق باحتياجات العمل والإنتاج، فالبعض بدأ يستخدم عبارة " اشتباه كورونا" كوسيلة للهروب من العمل والحصول على إجازات مدفوعة الأجر دون حساب، وهذا نراه يوميا في كافة المواقع بالقطاعين العام والخاص، لذلك علينا وضع حد لفكرة الاشتباه بصورة علمية مؤكدة، تحدد من المصاب بالفيروس المستجد ومن يعانى من أعراض شائعة، قد لا تحتاج إلى علاج أو مستشفى.
يجب أن تتدخل وزارة الصحة وكل الجهات المعنية، لمخاطبة المستشفيات على مستوى الجمهورية، لوضع صيغة علمية تحدد أعراض الإصابة بفيروس كوفيد 19 المستجد، والتنبيه على خطورة تشخيص أى حالة تصل إلى المستشفيات باعتبارها اشتباه كورونا، فصحة المواطن ليست موضعا للاختبار والتجربة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة