تعتبر الملكية العقارية من أهم المواضيع التي تطرق لها المشرع المصري حيث يظهر ذلك من خلال تعدد القوانين والتشريعات وتعديلها منذ الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا، كما أن المشرع لم يغفل على حماية هذا الحق لاعتبارها من الحقوق العينية الشخصية لذى فصل في نطاق هذه الملكية ووسائل حمايتها، وكذا القيود التي ترد عليها كما أنه جرم التعدي عليها.
غير أن هذه الملكية لا تكتسب من عدم حيث لابد من أسباب شرعية نص عليها القانون مثل الحيازة، والميراث وبعض العقود مثل الهبة والوصية والشفعة والتقادم المكسب، والالتصاق، وقد عالجت التشريعات المدنية الالتصاق باعتباره سبباً من أسباب كسب الملكية، والواقع انه إذا كان يصح في المجتمعات التي تسودها الافكار الفردية، الاقرار بشرعية التملك عن طريق الالتصاق بالعقار بفعل الطبيعة، فإن ذلك لم يعد مقبولاً مجتمعات أخرى.
كيف يصبح "الالتصاق" سبب من أسباب كسب ونشوء الملكية العقارية؟
في التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على مسألة الالتصاق وكيف أصبح سبب من أسباب كسب ونشوء الملكية العقارية حيث يعرفه عموم الفقه إلى أنه اتصال شيئين أو امتزاجها بفعل الطبيعة أو الإنسان بطريقة تجعل من المستحيل فصل أحدهما عن الآخر دون تلف، وحتى يمكن تطبيق الالتصاق لابد أن يكون كل من الشيئيين مستقلاً ومتميزاً عن الآخر وإن تم الالتصاق دون اتفاق بين الملاك أو على الأقل دون موافقة أحدهما – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض ميشيل حليم.
في البداية – هناك إشكالية في غاية الأهمية يقع فيها الكثيرين تتمثل في أن يتفق المؤجر مع المستأجر على إعطاء المستأجر حق إنشاء بناء في الأرض المؤجرة على أن يكون البناء مملوك للمستأجر طوال فترة الإيجار هنا وجب تطبيق أحكام هذا الاتفاق وليس قواعد الالتصاق، ولابد أن نؤكد أن الالتصاق الصناعي له صورتين حيث يكون لإرادة الإنسان دخل في حدوثه كالتالي – وفقا لـ "حليم":
أولاً: التصاق المنقول بالعقار
كيف يتحقق هذا النوع؟
1-إذا بنى شخص على أرضه بمواد مملوكة لغيره.
2- أو إذا بنى شخص منشآت على أرض الغير بمواد مملوكه له.
3-أو إذا بنى شخص منشآت بأدوات ليست مملوكه له وعلى أرض ليست ملكاً له.
والقاعدة هنا تقول أن كل الصور تكون ما على الأرض من بناء أو غراس ملكاً لصاحب الأرض.
1-إقامة مالك الأرض منشآت على أرض بمواد ليست مملوكه له:
والقاعدة هنا: أن مالك الأرض مالك لما فوقها من منشآت وهذا الحكم تطبيقاً لأحكام م 803/2 والتي جاء فيها: "ملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلى الحد المفيد في التمتع بها علواً أو عمقاً، وذلك دون الإخلال بأحكام القانون الخاص بالمحاجر والمناجم، لذلك فهي تمثل بالضرورة ما على الأرض من بناء أو غراس".
وهنا ما نصت عليه المادة 923 من القانون المدني: "يكون ملكاً خالصاً لصاحب الأرض ما يحدثه فيها من بناء أو غراس أو منشآت أخرى يقيمها بمواد مملوكه لغيره إذا لم يكن ممكناً نزع هذه المواد دون أن يلحق هذه المنشآت ضرر جسيم أو كان ممكنا نزعها ولكن لم ترفع الدعوى باستردادها خلال سنة من اليوم الذي يعلم فيه مالك المواد إنها اندمجت في هذه المنشآت" – الكلام لـ"حليم".
القاعدة:
هي ملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها وبالتالي من غراس أو بناء.
أما فيما يتعلق بالوقت الذي تصبح فيه هذه المنشآت ملكاً لصاحب الأرض فأنه يجب أن تفرق بين فرضين.
الفرض الأول:
لا يكون من الممكن نزع ما أقيم من بناء أو غراس دون أن يصيب هذه المنشآت أو الغراس ضرر جسيم، أو إذا كان ذلك ممكناً ولم ترفع خلال سنه من اليوم الذي يعلم فيه مالكها بأنها قد اندمجت في المنشآت، ففي هذا الفرض يتملك مالك الأرض ما يقيمه من منشآت بمجرد إدماجها ولو تم الإدماج على دفعات، ومثال المواد التي لا يمكن نزعها دون تلف جسيم: "الطوب والحجارة وغيرها من المواد المستخدمة في البناء".
الفرض الثاني:
وفيه يمكن نزع ما استخدم من مواد دون تلف جسيم يصيب ما أقيم من منشآت، وهنا يكون لمالك هذه المواد المطالبة باستردادها، ويجب أن ترفع دعوى الاسترداد - خلال سنة - من اليوم الذي يعلم فيه مالك المواد أنها اندمجت وإلا سقط حقه في رفع هذه الدعوى واقتصر حقه على طلب التعويض فقط، وتقع نفقات نزع المواد على صاحب الأرض حتى لو كان حسن البنية، وهذا الحكم منطقي لأن صاحب الأرض هو الذي قام باستخدام هذه المواد غير المملوكة له.
وأما إذا تملك مالك الأرض هذه المواد ويكون ذلك - في نزعها ضرر جسيم - بالمنشآت وتقدير هذا الضرر أمراً متروك للقضاء - قاضي الموضوع - دون رقابة عليه في محكمة النقض أو في حالة إذا لم يرفع مالك المواد دعوى باستردادها خلال سنة من وقت علمه هنا وجب تعويض صاحبها.
ملحوظة هامة:
إذا كان مالك الأرض حسن النية فإن هذا الأمر لا يؤثر على التعويض وإن كان يراعى حسن نيته في تقدير التعويض.
"ما يشمله التعويض" في حالة التملك:
قيمة ما يمتلكه من مواد مضافاً إليه تعويضاً عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب.
وإما إذا كان الباني مالك الأرض سيئ النية:
أي كان يعلم أن هذه المواد ليست مملوكه له ولا حق له في استخدامها في البناء فإن سوء نيته بطبيعة الحال على مدى ما يقضي به عليه من تعويض.
وأخيراً:
ليس لصاحب الأرض إجبار صاحب المواد على استردادها ليتفادى الحكم عليه بالتعويض، حيث أن الخيار هنا متروك لصاحب المواد لا لصاحب الأرض حيث إذا شاء صاحب المواد استردادها على ألا يترتب على ذلك ضرر جسيم وإن شاء تركها ووجب عندئذ التعويض على صاحب الأرض.
ثانياً المنشآت التي يقيمها شخص بمواد من عنده على أرض مملوكه للغير:
والقاعدة هنا: إن ملكية الأرض تشمل ملكية ما فوقها وما تحتها ما لم يتفق على خلاف ذلك، إلا أن القانون يفرق هنا بين الباني سيئ النية والباني حسن النية وفقاً لأحكام المادة 923/24.
1- الباني سيئ النية
وفقاً للأحكام المادة 924 إذا كان الباني سيئ النية أي يعلم ألا حق له قي إقامة البناء، فلصاحب الأرض أن يطالبه بإزالة ما أقام وعلى نفقته.
ملحوظة:
وليست سوء النية هنا أن يعلم الباني أن هذه الأرض ليست مملوكة له بل يجب فضلاً عن ذلك أن يعلم ألا حق له في إقامة هذه المنشآت أو البناء أو الغراس.
وهنا يثور سؤال هل يقتصر حق مالك الأرض على طلب الإزالة فقط ؟
لا، حيث له أن يطالب بالتعويض إذا كان له مقتضى وعادة ما يتمثل هذا التعويض فيما يسببه الهدم والإزالة من أضرار تلحق بمالك الأرض.
وقت تقديم طلب الإزالة:
يتقدم بها خلال سنة من وقت علمه بإقامة المنشآت لا من وقت إقامة المنشآت نفسها وعلى الباني يقع عبء إثبات تاريخ هذا العلم حيث يترتب على تجاوزه سقوط حق صاحب الأرض في المطالبة بالإزالة.
أما في حالة إذا أراد استيفاء ما أقيم عليها من منشآت:
أن يدفع للباني أقل القيمتين :
قيمة هذه المنشآت مستحقة الإزالة:
أي يدفع قيمة الإنقاص منقوصاً منها مصروفات الهدم أو قيمة ما زاد من ثمن الأرض بسبب ما أقيم فوقها من بناء.
ملحوظة هامة:
لا يستند هذا الحكم إلى فكرة الإثراء بلا سبب حيث لو كان التزام صاحب الأرض مبنياً على الإثراء بلا سبب لوجب عليه أن يدفع للباني أقل القيمتين، قيمة ما افتقر به الباني أي قيمة ما أنفقه في البناء أو قيمة ما أثرى به صاحب الأرض أي قيمة ما زاد في ثمن الأرض بسبب البناء حيث أنه بدفع قيمة البناء إنقاصاً لذلك نجد أن مصدر الالتزام هنا يجد مصدره في القانون وليس الإثراء بلا سبب.
تقادم التعويض:
بمضي 15 عاماً لا بمضي 3 سنوات كما تتقادم دعوى الإثراء بلا سبب.
وإذا كان لصاحب الأرض أن يطالب الباني سيئ النية بالإزالة أو أن يستبقي ما أقيم من منشآت مقابل دفع أقل القيمتين على التفصيل السابق ذكره، وهنا لا يجبر الباني على انتظار السنة لإزالة المباني إذا لم يكن يترتب عليها ضرر، وإذا ما انتهت مدة السنة تملك صاحب الأرض ما أقيم من منشآت على أرضه تأسيسا على الأحكام الخاصة بالالتصاق بيد أن ذلك لا يحول وفقاً للرأي الغالب من الفقه.
بين الباني وبين حقه في طلب الإزالة إذا لم يكن يترتب عليها الأضرار ولو كانت مدة السنة قد انتهت وعندئذ يكون لصاحب الأرض الخيار بين قبول النزع أو دفع أقل القيمتين.
وأخيراً:
فإن الأصل حسن النية للباني وعلى من يدعي عكس ذلك أن يقوم بالإثبات
2- الباني حسن النية:
حيث يكون الباني قد أقام بمواد مملوكة على أرض غيره سيئ النية أي يعلم ألا حق فيما أقام، وقد يكون حسن النية أي يجهل أن فيما يفعله اعتداء على حق صاحب الأرض وليس المقصود بحسن النية هنا أن يجهل الباني أن الأرض غير مملوكه له فقد يعلم ذلك ويعتقد أن صاحب الأرض قد أعطى له الحق في إقامة هذا البناء ويعتبر الباني هنا حسن النية.
ووفقاً لأحكام المادة 925 يجب الفرقة بين:
الفرض الأول:
وفيه لا يطلب من أقام المنشآت والفرض أنه حسن النية – نزعها إذا لم يطلب من أقام المنشآت نزعها فليس لصاحب الأرض إجباره على ذلك.
وهنا يتضح لنا بجلاء الفرق بين الباني حسن النية وسيئ النية.
حيث في حالة الباني سيئ النية:
يحق لصاحب الأرض طلب إزالة ما أقام وعلى نفقته (الباني).
أما في حالة حسن النية:
فلا يحق لصاحب الأرض طلب هذه الإزالة.
بل يخير صاحب الأرض هنا بين:
-إما أن يدفع قيمة المواد وأجرة العمل.
-أو أن يدفع مبلغاً يساوي ما زاد في ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت.
وهنا مصدر التزام صاحب الأرض هو نص القانون، وليست قواعد الإثراء بلا سبب وحين تتقادم الدعوى بمضي 15 سنة لا ثلاث سنوات مثل دعوى الإثراء.
الفرض الثاني:
وفيه يطلب من أقام المنشآت نزعها: حيث أن للباني حسن النية أن يطالب بإزالة ما أقام ولا يستطيع صاحب الأرض إجباره على قبول التعويض، أما إذا كان نزع هذه المنشآت من شأنه أن يترتب عليه ضرر بصاحب الأرض وحيث لا يوجد نص فقد ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن الباني لا يكون له نزع ما أقام إذا كان ذلك من شأنه أن يحدث للأرض ضرراً جسيماً.
بينمها ذهب البعض الآخر إلى:
وهو ما نرجحه إلى القول بأنه لا يكون للباني المطالبة بنزع ما أقام من منشآت إذا كان ذلك من شأنه الإضرار بالأرض سواء كان الضرر بسيطاً أو جسيماً.
وتطبيقا على ذلك:
إذا كانت المنشآت المقامة على الأرض قد بلغت حداً من الجسامة يرهق صاحب الأرض أن يؤدي ما هو مستحق عنها كان له أن يطلب تمليك الأرض لمن أقام المنشآت نظير تعويض عادل، والفرض أن الذي يتملك هنا هو صاحب المنشآت لا صاحب الأرض، ولا يعد ذلك تطبيقاً للقواعد العامة في الالتصاق.
ويشترط لتطبيق هذا الحكم:
أن تكون قيمة المنشآت التي أقيمت على الأرض قد بلغت حداً من الجسامة يرهق صاحب الأرض أن يؤدي ما هو مستحق عنها، فلا يشترط إذاً أن يستحيل على صاحب الأرض أداء ما هو مستحق عن هذه المنشآت بل يكفي أن يكون في ذلك إرهاق له، والمعيار هنا ذاتي لا موضوعي أي أن الإرهاق لا يتمثل في المقارنة بين قيمة الأرض وقيمة المنشآت، بل العبرة تكون بالقدرة المالية لصاحب الأرض فإذا كان تكليفه بأداء أقل القيمتين للمباني إرهاق له جاز له أن يطلب تمليك الأرض لمن أقام المنشآت نظير تعويض عادل.
والتعويض العادل هنا ليس وفقاً للأحكام العامة الواردة في المادة (952/2) فلو كان الأمر كذلك لاكتفى المشرع بالإحالة إليها، حيث يجب أن يراعى موقف المنشآت بل قد يكتفي بما افتقر به صاحب الأرض أي بالقدر الذي اشتراها به وان كانت قد آلت ملكيتها إليه بطريق البيع مثلاً.
ملحوظة هامة جداً:
إذا تملك صاحب الأرض ما أقيم عليها من بناء، فإن ملكيته تكون معلقة على شرط واحد وهو ألا يطالب صاحب المنشآت بنزعها أو أن يطلب هو تملك الأرض لصاحب المنشآت.
الخبير القانونى والمحامى بالنقض ميشيل حليم
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة