توجد مجموعة من الأسئلة لا يمكن للإنسان أن يمنع نفسه من طرحها منها: هل تدخل الحيوانات الجنة؟ وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول النص القرآنى فى سورة التكوير "وإذا الوحوش حشرت"، ويقول فى سورة الأنعام "وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم إلى ربهم يحشرون".
ويقول القرطبى فى تفسير الآية الأخيرة "فى صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"، ودل بهذا على أن البهائم تحشر يوم القيامة، وهذا قول أبى ذر، وأبى هريرة، والحسن وغيرهم.
وروى عن ابن عباس فى رواية : حشر الدواب والطير موتها، وقال الضحاك، والأول أصح لظاهر الآية والخبر الصحيح، وفى التنزيل وإذا الوحوش حشرت وقول أبى هريرة فيما روى جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عنه: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شىء، فيبلغ من عدل الله تعالى يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول: (كونى ترابا) فذلك قوله تعالى: ويقول الكافر يا ليتنى كنت تراباـ وقال عطاء: فإذا رأوا بنى آدم وما هم عليه من الجزع قلن: الحمد لله الذى لم يجعلنا مثلكم، فلا جنة نرجو ولا نارا نخاف، فيقول الله تعالى لهن: (كن ترابا) فحينئذ يتمنى الكافر أن يكون ترابا.
وقالت جماعة: هذا الحشر الذى فى الآية يرجع إلى الكفار وما تخلل كلام معترض وإقامة حجج، وأما الحديث فالمقصود منه التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص والاعتناء فيه حتى يفهم منه أنه لا بد لكل أحد منه، وأنه لا محيص له عنه، وعضدوا هذا بما فى الحديث فى غير الصحيح عن بعض رواته من الزيادة فقال: حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء، وللحجر لما ركب على الحجر، وللعود لما خدش العود، قالوا: فظهر من هذا أن المقصود منه التمثيل المفيد للاعتبار والتهويل، لأن الجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها، ولم يصر إليه أحد من العقلاء، ومتخيله من جملة المعتوهين الأغبياء، قالوا: ولأن القلم لا يجرى عليهم فلا يجوز أن يؤاخذوا .
قلت: الصحيح القول الأول لما ذكرناه من حديث أبى هريرة، وإن كان القلم لا يجرى عليهم فى الأحكام ولكن فيما بينهم يؤاخذون به، وروى عن أبى ذر قال: انتطحت شاتان عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر، هل تدرى فيما انتطحتا؟ قلت: لا. قال: لكن الله تعالى يدرى وسيقضى بينهما وهذا نص، وقد زدناه بيانا فى كتاب (التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة). والله أعلم.
ويقول ابن كثير
وقوله (ثم إلى ربهم يحشرون) قال ابن أبى حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس فى قوله: (ثم إلى ربهم يحشرون) قال: حشرها الموت .
وكذا رواه ابن جرير من طريق إسرائيل، عن سعيد، عن مسروق، عن عكرمة عن ابن عباس قال: موت البهائم حشرها، وكذا رواه العوفى، عنه .
قال ابن أبى حاتم : وروى عن مجاهد والضحاك، مثله .
والقول الثانى: إن حشرها هو بعثها يوم القيامة كما قال تعالى: (وإذا الوحوش حشرت) التكوير.
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سليمان، عن منذر الثورى، عن أشياخ لهم، عن أبى ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى شاتين تنتطحان، فقال: "يا أبا ذر، هل تدر فيم تنتطحان؟" قال: لا. قال " لكن الله يدرى، وسيقضى بينهما، ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش، عمن ذكره عن أبى ذر قال: بينا أنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ انتطحت عنزان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتدرون فيم انتطحتا؟ " قالوا: لا ندرى. قال: "لكن الله يدرى، وسيقضى بينهما"، رواه ابن جرير، ثم رواه من طريق منذر الثورى، عن أبى ذر، فذكره وزاد: قال أبو ذر: ولقد تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يقلب طائر بجناحيه فى السماء إلا ذكرنا منه علما.
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد فى مسند أبيه: حدثنى عباس بن محمد وأبو يحيى البزار قالا حدثنا حجاج بن نصير، حدثنا شعبة، عن العوام بن مراجم - من بنى قيس بن ثعلبة - عن أبى عثمان النهدى، عن عثمان، - رضى الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة".
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبى هريرة فى قوله: (إلا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم إلى ربهم يحشرون) قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شىء، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء، قال: ثم يقول: كونى ترابا. فلذلك يقول الكافر : (يا ليتنى كنت ترابا) [النبأ: 40]، وقد روى هذا مرفوعا فى حديث الصور.
وأكثر المفسرين ذهبوا إلى أن حشرها يكون للقصاص منها لبعضها البعض، فمن ظلم من الحيوانات يقـتص منه الله للمظلوم منها.
قال الإمام الشوكانى فى تفسيره لهذه الآية: "الوحوش: ما توحش من دواب البر، ومعنى {حُشِرَتْ} بعثت، حتى يقـتص لبعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء".
وقال الإمام الرازى فى تفسيره: "قوله تعالى : "وإذا الوحوش حُشِرَتْ". كل شيء من دواب البر مما لا يستأنس فهو وحش، والجمع: الوحوش. و{حشرت}: جمعت من كل ناحية. قال قتادة: يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص."
والدليل ثانيا من الحديث. روى الإمام الطبرى فى تفسيره بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "إذا كان يوم القيامة مد الأديم، وحشر الدواب والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدواب، يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بين الدواب، قال لها: كونى تراباً". وأخرج الإمام مسلم فى (صحيحه) بإسناده عن أبى هريرة عن النبى (ص) قال: ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء). والقرناء يعنى التى لها قرون، والجماء والجلحاء يعنى التى لا قرون لها. والمعنى المقصود أن الشاة التى لها قرون وآذت شاة لا قرون لها، وتلك الأخيرة ما استطاعت رد الأذى أو دفعه عن نفسها لذلك، فإنها يقتص لها الله يوم القـيامة.
وقال أئمة المعـتزلة: "إن الله تعالى يحشر الحيوانات كلها فى ذلك اليوم، ليعوضها عن آلامها التى وصلت إليها فى الدنيا بالموت والقـتل وغير ذلك. فإذا عوضت على تلك الآلام، فإن شاء الله أن يبقى بعضها فى الجنة - إذا كان مستحسناً - فعل، وإن شاء أن يفنيه أفـناه.
لكن الجنة ليست خالية من الحيوانات، فالأحاديث النبوية وكتب التراث تشير إلى أن هناك أنواعا من الحيوانات سنجدها هي:
الثور والحوت لـ الطعام
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده، كما يتكفأ أحدكم خبزته فى السفر نزلاً لأهل الجنة، فأتى رجل من اليهود، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى قال: تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبى - صلى الله عليه وسلم - فنظر النبى - صلى الله عليه وسلم - إلينا، ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال إدامهم باللام ونون. قالوا: وما هذا؟ قال: "ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً"، رواه البخارى ومسلم، قال النووى رحمه الله فى شرح مسلم: "أما النون فهو الحوت باتفاق العلماء.. وأما زائدة الكبد وهى القطعة المنفردة المتعلقة فى الكبد، وهى أطيبها".الغنم
عن أبى هريرة رضى الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا فى مراح الغنم وامسحوا رغامها فإنها من دواب الجنة"، رواه البيهقي. قال الصنعانى رحمه الله فى التنوير شرح الجامع الصغير: "(وامسحوا رغامها) بضم الراء فغين معجمة وقيل المشهور أنه بالمهملة وهو المروى كما فى النهاية وهو ما سيل من أنفها قال ويجوز أن يكون أراد مسح التراب عنها رعاية لها وإصلاحا لشأنها. (فإنها من دواب الجنة) يحتمل أنها أخر منها ويحتمل أنها تكون فى الآخرة منها وفيه ما كان من الجنة مأمور بإكرامه".
الإبل
عن أبى مسعود الأنصارى رضى الله عنه قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه فى سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لك بها يوم القيامة سبع مائة ناقة كلها مخطومة)، رواه مسلم وأحمد والنسائى والطبرانى بطرق عديدة.
الخيل
عن ابن بريدة عن أبيه قال جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنى أحب الخيل ففى الجنة خيل، قال: (إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء تطير بك فى أى الجنة شئت إلا ركبت، رواه أحمد والترمذى والطبرانى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة