محمد ثروت

أزمة ماكرون وليس أزمة الإسلام

الإثنين، 05 أكتوبر 2020 12:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس في ضاحية ليه موروه غرب باريس “أن الدين الإسلامي يمر اليوم بأزمة في كل أنحاء العالم، وأكد أن فرنسا ستعمل على مكافحة الانفصالية الإسلاموية التي تهدف إلى تأسيس مجتمع مضاد". تعبر عن أزمة فهم عميقة وخلط لدى ماكرون نفسه والغرب بين الدين الإسلامي كدين كتابي ضمن الديانات الكتابية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، يمثل المرتبة الثانية في فرنسا، ويصل أتباعه إلى ستة ملايين مسلم، وبين تيارات الإسلام السياسي والحركات المتطرفة.

هذا الخلط الغريب والعجيب جعل من سياسي أوروبي كبير يضع البيض كله في سلة واحدة، وينظر للأمور نظرة مشوشة، نابعة من تأثيرات وضغوط اليمين المتطرف في أوروبا من جهة وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا من جهة أخرى، فيتم ربط الإسلام كدين في حد ذاته بأنه يدعو للعنف والانعزالية وأسلمة أوروبا. وهذه الأوهام أسهم في ترسيخها في العقلية الغربية بشكل عام والفرنسية بشكل خاص، وجود بعض التيارات المتطرفة في المجتمعات الأوروبية ترفض سياسات الاندماج في المجتمعات الجديدة وتصر على عزل نفسها في ضواحي سكنية بعينها ومدارس دينية ومحال تسوق حلال وملابس شرعية وبنوك اقتصادية تطبق الشريعة الإسلامية، كما أن أحداث الاعتداء على فريق تحرير مجلة شارل إبدو الساخرة (2015) وبعض حوادث العنف الفردية، زاد من تنامي مشاعر العداء ضد المسلمين في فرنسا.  

وبالرغم من أن التيارات المتطرفة تظل أقلية صغيرة جدا لا تعبر عن واقع الجاليات المسلمة في أوروبا وفرنسا، التي تلتزم بالقوانين المحلية وتشارك في كل المناسبات والأعياد الوطنية وتفتح قنوات حوار مستمرة مع أهل الديانات الأخرى في تلك المجتمعات، تقوم على احترام الآخر والإسهام في تنمية المجتمع وحل المشكلات بين أطياف ومكونات المجتمع الفرنسي، إلا أن ماكرون ومسؤولي حكومته يصرون على الخلط بين الإسلام كدين وربطه بالعنف والإرهاب وبين تيارات الإسلام السياسي الراديكالية التي توظف الدين في السياسة.  

أي أزمة يمثلها الإسلام في العالم؟  وأي انعزال يدعو إليه وهناك عدد من الآيات القرآنية تدعو للتعارف والحوار بين بني البشر "يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". (الحجرات:13)، كما بين القرآن أن الاختلاف سنة كونية والأصل هو التعددية وليس الوحدة "وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ". (هود:118)

 الأزمة لا يمثلها دين في حد ذاته، بقدر ما يمثلها سوء فهم بعض صناع القرار في الغرب والربط بين الدين والتدين الشكلي والتطرف وربط الإسلام ببعض أتباعه المتطرفين.  إن التعامل مع ظاهرة التطرف والسلفية الراديكالية في بعض فئات الجاليات المسلمة، لا يكون بالتعميم وإطلاق الأحكام عن جهل وعنصرية، وهنا تكمن المشكلة والأزمة التي تعقد الأمور، بدلا من العمل على حلها. من خلال تطبيق مبادئ الدستور الفرنسي الصادر في 3 ديسمبر 1791 الذي يعتبر حرية الإنسان بممارسة العبادات الدينية للدين الذي ينتمي إليه حق طبيعي ومدني. والليبرالية الحقيقية التي تتيح للجميع التعايش وحق الاختلاف، شرط ألا يمسوا جوهر الدولة الوطنية ومؤسساتها.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة