"عدى النهار"، أغنية صدحت بها حنجرة الفنان الكبير "عبد الحليم حافظ"، من كلمات الراحل "عبد الرحمن الأبنودي"، تزامناً مع "هزيمة 67"، لتؤكد أن مصر لن ولم تقبل الهزيمة، وستبدأ فوراً التجهيز لاستعادة الأرض، وأن "كل الدروب واخده بلدنا للنهار"، وصبح جديد يحمل النصر.
في ذلك الوقت، الذي كان فيه الشارع المصري، يتألم من الهزيمة، ويساند ويدعم قواته المسلحة، كان رجالنا على الجبهة صامدون، عزيمتهم لم تلين، وإيمانهم لم ينتقص، وإرادتهم لم تهبط، وأملهم في النصر باق.
وعلى الفور، قاد الراحل جمال عبد الناصر، حرب الاستنزاف، أو "حرب المائة يوم"، التي كبدت إسرائيل خسائر فادحة، وفتحت المجال لنصر أكتوبر المجيد، من خلال معارك لم تهدأ، استنزفت قوة العدو، كان أبرزها معركة رأس العش، التي وقعت أحداثها يوم 1 يوليو 1967، حيث تعتبر هذه المعركة هي الشرارة الأولى للحرب، عندما حاولت المدرعات الإسرائيلية احتلال مدينة بور فؤاد، فصدتها عن المدينة قوة من الصاعقة المصرية.
ولم تك هذه الواقعة هي الوحيدة، وإنما نفذت القوات الجوية المصرية طلعات هجومية جريئة ضد القوات الإسرائيلية في سيناء، أحدثت فيها خسائر فادحة، بل أدت إلى فرار بعض من الأفراد الإسرائيليين من مواقعها، وذلك من خلال معارك القوات الجوية خلال يومي 14 و15 يوليو 1967، ومن هنا زادت الثقة لدى المقاتلين في قواتهم الجوية بعد هذه العملية الناجحة.
لم يقتصر الأمر على الضربات الجوية، وإنما ساهمت المدفعية في ضربات قوية ضد الاحتلال، حيث كان الاشتباك الكبير الذي ركزت فيه المدفعية المصرية كل إمكانياتها في قطاع شرق الإسماعيلية يوم 20 سبتمبر 1967، والذي تمكنت فيه من تدمير وإصابة عدد غير قليل من الدبابات الإسرائيلية، وصل إلى 9 دبابات مدمرة، فضلا عن الإصابات في الدبابات الأخرى وعربتين لاسلكي، وقاذف مدفعية صاروخية، بالإضافة إلى 25 قتيل و300 جريح منهم ضابطين برتبة كبيرة.
وتعتبر الضربة الأقوى التي زلزلت جيش الاحتلال الإسرائيلي "إغراق المدمرة البحرية الإسرائيلية إيلات"، وذلك يوم 21 أكتوبر 1967، إذ تمكنت زوارق صواريخ البحرية المصرية من إغراق المدمرة إيلات في منطقة شمال شرق بورسعيد، وتعد هذه المعركة أول استخدام للصواريخ سطح سطح، حيث كانت خسارة فادحة للقوات البحرية الإسرائيلية، خاصة وأن هذه المدمرة كانت تمثل أهمية كبيرة للبحرية الإسرائيلية في ذلك الوقت، كما كانت خسائرها كبيرة في الأرواح، الأمر الذي دفعها لاستئذان مصر عن طريق الأمم المتحدة في البحث عن القتلى والغرقى، في منطقة التدمير شمال بورسعيد، واستمرت في عمليات البحث والإنقاذ لأكثر من 48 ساعة بعد أن وافقت مصر على ذلك.
لم يك الطريق لنصر أكتوبر سهلاً، بل كان حلم كبير، وقف خلفه رجال مخلصون وهبوا حياتهم لهذا الوطن، خططوا ونفذوا، لتعبر مصر من الهزيمة مروراً بالاستنزاف لبر النصر، بفضل الله ثم قواتنا المسلحة الباسلة.