يواصل اليوم السابع تقديم خدماته فتوى اليوم حيث ورد سؤال لدار الإفتاء وهو:
ما حكم عمل المسلم فى الكنيسة؛ كأنْ يعمل نجارًا، أو بنًّاء، أو خادمًا، أو فنيًّا فى مجال السباكة والكهرباء؟، وجاء رد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، كالآتى:
حثَّ الإسلام على العمل والسعى لطلب الرزق وجعل ذلك فريضة، كما أن طلب العلم فريضة؛ روى البيهقى فى "شعب الإيمان" عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ».
جاء فى "الاختيار لتعليل المختار" : [طلب الكسب فريضة كما أن طلب العلم فريضة، وهذا صحيح لما روى ابن مسعود رضى الله عنه عن النبى عليه الصلاة والسلام قال: «طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»، والرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا يكتسبون؛ فآدم زرع الحنطة وسقاها وحصدها وداسها وطحنها وعجنها وخبزها وأكلها، ونوح كان نجارًا، وإبراهيم كان بزازًا، وداود كان يصنع الدروع، وسليمان
كان يصنع المكاتل من الخوص، وزكريا كان نجارًا، ونبيُّنا رعى الغنم، وكانوا يأكلون من كسبهم، وكان الصديق رضى الله عنه بزازًا، وعمر يعمل فى الأديم، وعثمان كان تاجرًا يجلب الطعام فيبيعه، وعلى كان يكتسب، فقد صح أنه كان يؤاجر نفسه] اهـ.
وعمل المسلم فى الكنيسة بأجرٍ محلُّ خلاف بين الفقهاء: فذهب جمهور فقهاء المالكية والشافعية إلى عدم جواز ذلك.
وقد صرح فقهاء الحنفية وغيرهم بإباحة عمل المسلم فى بناءً الكنيسة وترميمها بلا أدنى حرج، ونصوا على حلِّ ماله الذى يأتيه مِن جراء ذلك، وأنه مما يطيب لصاحبه أخذه شرعًا؛ إذ العمل نفسه ليس فيه معصية.
قال العلامة ابن نجيم الحنفى فى "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" : [ولو أجر المسلم نفسَه لذمى ليعمل فى الكنيسة فلا بأس به] اهـ.
ويرى فقهاء الحنابلة أن للمسلم استئجار نفسه للذمى على عمل معين فى الذمة؛ كخياطة ثوب، وقصارته، أما الخدمة فلا.
وقد أجاز الإمام أبو حنيفة عمل المسلم فى الكنيسة بأجر؛ قياسًا على جواز بنائها للسكنى، وكذلك مَن آجر نفسه على حمل خمر لذميّ؛ لأنه يرى أن الإجارة على الحمل ليست بمعصية ولا سبب لها، لأنه قد يكون للإراقة أو للتخليل؛ : [(قوله: وحمل خمر ذمي) قال الزيلعي: وهذا عنده، وقالا: هو مكروه، لأنه عليه الصلاة والسلام: «لَعَنَ فِى الْخَمْرِ عَشَرَةً، وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا» وله أن الإجارة على الحمل وهو ليس بمعصية، ولا سبب لها، وإنما تحصل المعصية بفعل فاعل مختار، وليس الشرب من ضرورات الحمل، لأن حملها قد يكون للإراقة أو للتخليل، فصار كما إذا استأجره لعصر العنب أو قطعه، والحديث محمول على الحمل المقرون بقصد المعصية.. وهذا قياس وقولهما استحسان، ثم قال الزيلعي: وعلى هذا الخلاف لو آجره دابة لينقل عليها الخمر، أو آجره نفسه ليرعى له الخنازير يطيب له الأجر عنده، وعندهما يكره.. (قوله: وجاز إجارة بيت.. إلخ) هذا عنده أيضًا؛ لأن الإجارة على منفعة البيت، ولهذا يجب الأجر بمجرد التسليم ولا معصية فيه، وإنما المعصية بفعل المستأجر وهو مختار فينقطع نسبيته عنه، فصار كبيع الجارية ممن لا يستبرئها أو يأتيها من دبر، وبيع الغلام من لوطى، والدليل عليه: أنه لو آجره للسكنى جاز وهو لا بد له من عبادته فيه] اهـ.
وقد بَوَّب الإمام البخارى فى "صحيحه" بما يدل على جواز ذلك فقال: (باب هل يؤاجر الرجلُ نفسَه من مشرك فى أرض الحرب؟).
وقال الإمام ابن حجر العسقلانى فى "فتح البارى شرح صحيح البخاري" [(قوله: باب هل يؤاجر الرجلُ نفسَه من مشرك فى أرض الحرب؟) أورد فيه حديث خباب وهو إذ ذاك مسلم فى عمله للعاص بن وائل وهو مشرك، وكان ذلك بمكة وهى إذ ذاك دار حرب، واطلع النبى صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وأقره. ولم يجزم المصنف بالحكم لاحتمال أن يكون الجواز مقيدًا بالضرورة، أو أن جواز ذلك كان قبل الإذن فى قتال المشركين ومنابذتهم، وقبل الأمر بعدم إذلال المؤمن نفسه. وقال المهلب: كره أهل العلم ذلك إلا لضرورة بشرطين: أحدهما أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله، والآخر أن لا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين. وقال ابن المنير: استقرت المذاهب على أن الصناع فى حوانيتهم يجوز لهم العمل لأهل الذمة ولا يعد ذلك من الذلة] اهـ.
وبناءً على ذلك: فالراجح لدينا ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والحنابلة والزركشى من الشافعية؛ أنه يجوز للمسلم العمل فى الكنيسة بأجرٍ على النحو المذكور بالسؤال؛ لأنه نوع كسبٍ مباح.