حالة من الهدوء الغريب أصبحت تخيم حاليا على منطقة الشرق الأوسط بالتزامن مع نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ تبدو خطوط الصدع السياسية التي تتقاطع مع المنطقة أهدأ كثيرا مما اعتدنا عليه، ويبدو أن الاقتتال السياسي قد هدأ إلى حد ما ترقبا لما قد يحدث بعد أن يسكن "بايدن" البيت البيضاوي في 20 يناير 2021، لكن البعض يعزي حالة الهدوء والسلام النسبي تلك بأنه لا يعكس سوى خوف القادة الإقليميين الذين يتطلعون إلى واشنطن لمعرفة ما إذا كان هناك تغيير وشيك في القيادة العالمية.
صحيح أن الانتخابات الأمريكية - بحسب محللين ومراقبين سياسيين - قد تغير الحسابات السياسية للاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط، من مصير الاتفاق النووي الإيراني إلى ما يسمى بـ "صفقة القرن"، التي أطلقها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" للإسرائيليين والفلسطينيين إلى محاولاوت الصعود المستمر للاستبداد والإرهاب غير المنضبط، وبالطبع يمكن أن يكون لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية تأثير جذري على القضايا التي تشكل المنطقة الأكثر غليانا بالأحداث والتقلبات غير المتوقعة.
في أعقاب الإعلان عن فوز "جو بايدن"، يرى المراقبون أن العلاقات الاستراتيجية الممتدة ستكون إحدى سمات حقبة الرئيس الأمريكى المنتخب لأربع سنوات قادمة، وحتما سيثار العديد من التساؤلات عن سياسة "بايدن" تجاه الشرق الأوسط ، خاصة أنه ألمح في تصريحات سابقة إلى أنه يعتزم زيادة التركيز على الديمقراطية وحقوق الإنسان، في حين يؤكد عدد آخر من المحللين الغربين أن الولايات المتحدة ودول المنطقة سيكون لها مصلحة في الحد من التوترات والحفاظ على علاقات جيدة
وفى هذا السياق لابد من عدم إغفال ، أن علاقات مصر الخارجية ليست مبنية على طرف أو دولة دون البقية، فهناك علاقات قوية ومتشعبة مع جميع دول العالم، خاصة مع القوى العالمية المتنافسة، بقيادة الصين وروسيا، و تعتبر مصر التنويع ركيزة أساسية للسياسة الخارجية ، فقد تحسنت العلاقات بين مصر والصين خلال السنوات الأخيرة، مع اعتراف مصر بالصين كقوة عالمية صاعدة، كما يتعاون البلدان بشكل وثيق في مجالات الاقتصاد والاستثمار، واتفقا مؤخرا على أن اللقاح الصيني ضد فيروس كورونا سيتم تصنيعه في مصر وتوزيعه من هناك في جميع أنحاء إفريقيا، ناهيك عن الزيارات المتبادلة على مستوى الوفود الرفيعة بين البلدين.
كما أن فوز "بايدن" ومن خلفه الحزب الديمقراطي بعد معركه طويلة في ظل مارثون حامي الوطيس بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن قامت معظم دول العالم بتهنئته في ظل مخاوفها من نجاحه، لن يؤثر كثيرا على مواقف مصر وسياساتها خاصة وأنها سياسات متوازنة في المنطقة والعالم ، لكنها هذه هى لعبة السياسه منذ نشأتها، فكل دوله تجد مصلحتها مع حزب يأتي بمرشحه الرئاسي في أكبر دوله في العالم، ومن ثم فالأمر يبدو لي ولكافة المراقبين وخبراء السياسة يتعلق ليس بفوز "بايدن" وحزبه بل بسياسه هذه الدولة
ومصدر ثقتى في قيادتنا السياسية هنا أن مصر في (2011،2013) ليست مصر 2020، ففي الماضي القريب لم تر أمريكا والحزب الديمقراطي تحديدا كيانا يمكن أن تتعامل معه في مصر بعد أحداث يناير سوى جماعة الإخوان الإرهابية ، فقد رأت فيه كيانا منظما، ولكن بعد ثوره 30 يونيو التي عبر من خلالها الشعب المصري عن رفضه لهذه الجماعه ونزل الشارع وحماه الجيش في ظل تواجد أكتر من 33 مليون مصري بالشوارع رافضين لهذا النظام الفاشيستي الملعون، ونجحت الثورة وتم تعديل الدستور في استفتاء شهد له العالم أجمع ووقف بذهول أمام انتخابات رئاسية ، ثم أعقبها انتخابات لمجلس الشعب بغرفتيه (النواب والشيوخ)، واكتملت العمليه الديمقراطيه بعد اكتمال كافة أركان الدوله وعادت مصر بأركانها الثلاثه قوية وعفية.
ولعل القاصي والداني يلحظ جيدا أنه في ظل عملية التحول الديمقراطي الجديدة، استطاعت الدولة المصرية أن تعود لمكانتها في أفريقيا والمنطقة والعالم بعد محاولات مستميتة من أعدائها لعزلها ، بل وترأست مصر الاتحاد الأفريقى لمده عامين وعادت من جديد برؤى تختلف اختلافا جوهريا عن ماضي تلك السنة البغيضة في ظل حكم الإخوان، وفي غمار تلك السياسة الحكيمة أصبح الشعب هو صاحب الاختيار لرئيسه ومجلس نوابه وشيوخه ولايستطيع أحد أن يغير موقف الشعب في من اختاره، ولن يخاف هذا الشعب أو ينتابه القلق من وصول بايدن أو غيره من الديمقراطيين إلى سدة حكم أمريكا.
وظني أن الإنسان المصري البسيط لم ولن يهاب وصول "بايدن" إلى رئاسة أمريكا لأسباب تتعلق بقوة القرار المصرى اليوم في ظل دولة قوية قرارها نابع من ذاتها وإرادتها عازمة على تأمين مستقبل أفضل للأجيال القادمة، ولأن القيادة السياسية المصرية ، اتسمت خلال السنوات الست الماضية بالجدية في تطوير البنية الأساسية للمواطن والوطن معا جنبا إلى إلى جنب (المشروعات القومية العملاقة إلى جانب الاهتمام بعيش المواطن وصحته) فإن الشعب المصري بكل طوائفه يثق أن السياسيه الخارجيه لمصر قويه الآن وتستطيع أن تحصل علي ماتريد وتفرض رأيها بكل قوه ووضوح.
وفي قلب كل تلك الأحداث المتسارعة على خارطة العالم، لاننسي أبدا أن الرئيس السيسي أول رئيس عربي قام بتهنئه "بايدن"، مؤكدا هذه المناسبة على التطلع للتعاون والعمل المشترك من أجل تعزيز العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأميركية، بما فيه صالح البلدين والشعبين الصديقين، وكان مثالا لقوه شخصيته ودهاءه السيسي والذي احتذي به بعض زعماء الدول العربية، ويقيني أن هناك أفكارا جادة لدي مصر تسكن عقل هذا الرجل القائد والمخلص، وسنذهب إليها في المستقبل القريب.
ولكن ينبغي على الإدارة المصرية ممثلة في (أجهزة الدولة والمجتمع المدني، وجمعيات حقوق الإنسان وغيرها من مؤسسات تعمل داخل حدود هذا الوطن)، أن تسارع في إرسال وفد يتشكل من أعضاء لمجلس الشيوخ، شريطة أن يكون الوفد متعلما ومثقفا، والأهم أن يجيد اللغه الإنجليزيه ويتوجه إلى مجلس الشيوخ الأمريكي لعرض التجربة المصرية من 2011 وحتي الآن وماحققته من إنجازات اقتصاديه وداخليه ودولية.
لقد آن الأوان لعرض وجهة النظر المصرية وشرح تجربتها الفريدة في مكافحة الإرهاب الدولى، كما أن مصر لها أدوار كثيره مهمة في ملفات عدة في "فلسطين وليبيا وسوريا والعراق واليمن والمتوسط بقضاياه المعقدة"، كما ينبغي علي هذا الوفد المطعم من منظمات المجتمع المدني الحكوميه والخاصة أن يسعى لإعادة سياسة طرق الأبواب من جديد، ولكن ليس على غرار ما كان يحدث في الماضي في عملية بيع بعض أصول مصر المالية، بل ينبغي أن يكون دورها الرئيسي هو طرق أبواب صناع القرار في أمريكا وفي كل المؤسسات والهيئات الصناعة الكبرى ومتابعه هذا الملف، وأن لايقتصر دور هذا الوفد أو ذاك على التقاط الصور والشو الإعلامي، فقط بل متابعه هذا الملف المدعم بكل الوثائق التي تدين الإخوان وغيرهم من أصحاب الأجندات، هذا طبعا بخلاف دور الخارجيه وغيرها.
معروف أن مصر ومنذ اتفاقية "كامب ديفيد" تحظي بعلاقات قويه جدا مع البنتاجون والخارجيه والأجهزه الاستخباراتية، وأظن أن هذه العلاقه قويه بما فيه الكفاية لكي يكون لها أدوار مختلفة في المرحله القادمة - بعد 20 يناير 2021 - أي بعد تولي "بايدن" رسميا مقاليد الحكم، وأظن أن تهنئة الرئيس غير المتوقعة في سرعتها تعد بمثابة درس عملي لباقي الأجهزه ليحذوا حذوه في الإسراع للتجهيز لمثل هذه الزيارات، ونحن نكرر: مصر الآن في 2020، تحت قياده الرئيس السيسي تختلف عن تماما عن مصر (2011-2012-2013).
وللأسف الشديد كانت مصر في خلال تلك الفترة دوله هشة ومفككة وضعيفة، ولكنها الآن عادت مصر القويه بكل مؤسساتها وأجهزتها ومن خلفهم شعب الـ 100 مليون إنسان يدافعون بكامل إرادتهم عن رئيسها ومؤسساتها، فلا داعي أن ينتاب الشعب أي نوع من القلق والتوتر من وصول "بايدن" للحكم ولاتنسوا مصر عمرها 7000 آلاف سنة، ومن هنا لايصح على الإطلاق مقارنتها أبدا بأي دوله عمرها لايتجاوز 250 عاما، فلاتخافوا على مصر ولا رئيسها الذي يبذل كل الغالي والنفيس للحفاظ على ترابها المقدس، ويثبت في كل يوم أن قدر مصر دائما محفوف بعناية ورعاية الخالق سبحانه وتعالي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة