يرى مراقبون أنه إذا صحت الأخبار المتداولة عن قبول رئيس الوزراء الإثيوبى "آبى أحمد" لمبادرة الوساطة الأفريقية، فبهذا يكون وصل إلى نهاية المطاف وقبل بالتنازل، كان آبى أحمد يبدو واثًقا من تحقيق الحسم العسكرى السريع والقضاء على حكم جبهة تحرير التيجراى. وكان يصور الأمر على أنه مجرد تجريده أمنية لتحقيق العدالة وإلقاء القبض على حفنة من الزعماء المارقين. ورفض كافة المناشدات الخارجية بما فى ذلك مطالب الرئيس الأوغندى يارب موسيفينى ورئيس نيجيريا السابق اولسيجون أوباسانجو الذى زار أديس أبابا.
الجديد هو أن الرئيس رامافوزا الرئيس الحالى للاتحا الأفريقى التقى رئيسة إثيوبيا ساهلى وورك زودى التى تزور جنوب أفريقيا فى مهمة يبدو أنها لصالح رئيس الوزراء أبى أحمد. وعين رامافوزا ثلاثة مبعوثين لللاتحا الأفريقى للوساطة فى إثيوبيا وهم جواكيم تشيسانو، الرئيس السابق لجمهورية موزمبيق، وإلين جونسون سيرليف، الرئيسة السابقة لجمهورية ليبيريا، وكجاليما موتالنثى، الرئيس السابق لجمهورية جنوب أفريقيا. وسيسافر الوفد الثلاثى إلى إثيوبيا بهدف المساعدة فى التوسط بين أطراف النزاع.
تتمثل المهمة الأساسية للمبعوثين الأفارقة، فى مشاركة جميع أطراف النزاع بهدف إنهاء الأعمال العدائية، وتهيئة الظروف لحوار وطنى شامل لحل جميع القضايا التى أدت إلى الصراع، وإعادة السالم الاستقرار إلى إثيوبيا. ويبدو أن مبادرة الرئيس رامافوزا ذات صلة لهدف الاتحاد الأفريقى المتمثل فى إسكات المدافع، والذى يهدف إلى تحقيق أفريقيا خالية من النزاعات، ومنع الإبادة الجماعية، وجعل السلام حقيقة واقعة للجميع، وتخليص القارة من الحروب والصراعات العنيفة وحقوق الإنسان. والانتهاكات والكوارث الإنسانية.
هناك مراقبون يعتقدون أن دخول الصراع الدامى فى التيجراى أسبوعه الثالث دون حسم عسكرى يعنى عدم صحة التقديرات الأولية لقوات أبى أحمد وهو ما يعنى زيادة المخاوف من تحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة أو عمليات تمرد لاسيما بعد انتقال المعركة خارج ميكيلى فى المناطق الجبلية المحيطة بها. وقد أظهر التيجراى قوة فى تهديد مناطق الجوار بما فى ذلك أسمرة من خلال استهدافها بالصواريخ.
هل يتراجع آبى أحمد ويقبل بفكرة الحوار الوطني
فيما نفت إثيوبيا، اليوم السبت، إجراء محادثات وشيكة حول الصراع المتنامى فى إقليم تيجراى الشمالى، بعد ساعات فقط من اختيار ثلاثة رؤساء أفارقة سابقين للمساعدة فى التوسط فى حل الأزمة المستمرة منذ أسبوعين.
الحرب على المكشوف فى إثيوبيا
تحولت الحرب الأهلية الإثيوبية فى شمال البلاد مع تفاقم المعارك بإقليم تيجراى إلى معركة فى أروقة منظمة الصحة العالمية مع هجوم كاسح للجيش الإثيوبى ضد رئيس المنظمة الإثيوبى تيدروس أدهانوم المنحدر من أقلية التيجراى واتهامه بدعمه بينما نفى الأخير ذلك.
وتتم مطاردة جميع مسئولى الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى السابقين والحاليين سواء داخل إثيوبيا أو خارجها، وتم اتهام الجيش الإثيوبى لرئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس بدعم جبهة تحرير التيجراى ومحاولة الحصول على أسلحة وتوفير غطاء دبلوماسى لها. وقال رئيس أركان الجيش الجنرال بيرهانو جوال فى بيان متلفز "هذا الرجل عضو فى تلك المجموعة الإجرامية، وهو يفعل كل شيء لدعمها". والضغط لصالح الإقليم المتمّرد ومساعدة سلطاته فى الحصول على الأسلحة. وطالب بتجريده من منصبه.
ومن المعروف أن الدكتور أدهانوم الذى يعد أول أفريقى يترأس منظمة الصحة العالمية ولمع نجمه فى ظل جائحة كوفيد 19، ينتمى لعرقية التيجراى وقد شغل منصبى وزير الصحة والخارجية فى إثيوبيا قبل ذلك، وُيعد الرجل أعلى مسؤول دولى ينتمى لإقليم تيجراي.
كما أن موسى فكى رئيس المفوضية الأفريقية قد أقال مسئولا أمنيا كبيرا من إثيوبيا ويعمل فى المفوضية بناء على طلب الحكومة الإثيوبية. ربما يبدو ذلك فى حالة استمراره بشكل ممنهج كما لو كان استهدًافا لعرقية التيجراي.
تراجيديا حرب التيجراي
فى الحرب الدائرة اليوم فى منطقة التيجراى يراهن آبى أحمد على عنصر الوقت حيث يصور مهمة الجيش على أنها إنفاذ للقانون نظرا لتمرد التيجراى على الأوامر الدستورية. ولذلك يرفض رئيس الوزراء كافة المناشدات الأفريقية والدولية بحجة أن المسألة لا تعدو كونها شأن داخلي. لكن دعنا نفكر فى الأمر ملًيا ونلاحظ الآتي:
1.إذا تمكن الجيش الفيدرالى من الدخول إلى ميكيلى عاصمة الإقليم هل يضمن وجود قادة الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى بانتظاره. أم أن المواجهة تصبح مع التيجراويين؟ ومن يعرف طبيعة العقلية التيجراوية يدرك مدى إصرارهم ودفاعهم عن الحكم الذاتي.
2.على الرغم من أن الجيش الفيدرالى يفوق قوات التيجراى من حيث العدد والعدة لكن لا ننسى خبرة التيجراى فى حرب العصابات وأنواع الحروب الأخرى التى مكنتهم من الإطاحة بحكم مانغستو هيالمريام العسكري. صحيح أن معظم مقاتلى التيجراى اليوم هم من الشباب الأصغر سنا الذين لم يعيشوا مرحلة حرب التحرر من الدكتاتورية العسكرية لكن وجود قادة الجبهة يساعد على إطالة أمد الحرب.
3.ثمة مخاطر من تدويل حرب التيجراى حيث بدأت بالفعل بعض مؤشراتها حيث تم استهداف العاصمة أسمرا ببعض الصواريخ ولا يزال السودان يستقبل آلاف النازحين واللاجئين. وعليه فإن مخاطر التدويل على نطاق واسع قد تزاد مع طول أمد الحرب.
4.الأمل الوحيد أن تتمكن القوات الفيدرالية من حسم المعركة بأسرع وقت ممكن ولكن ذلك أمر صعب المنال نظرا لطبيعة منطقة التيجراى وقوتها العسكرية. وعليه فإن إطالة أمد الصراع قد تفضى إلى إنهاك الجيش وسحبه من مناطق التوتر العرقى فى أقاليم أخرى من البلاد الأمر الذى قد يعنى انزلاق إثيوبيا لصراعات عرقية أخرى دامية.
مذاكرات اعتقال
أصدرت الشرطة الاتحادية، الأربعاء الماضى الموافق 18 نوفمبر الجارى، مذكرات توقيف بحق 76 من ضباط الجيش، ورد أن بعضهم متقاعد. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس عن مصادر إثيوبية أن هؤلاء الضباط متهمون بـ "التآمر" و"الخيانة" مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.
وجاءت هذه الأنباء بعد أن سيطرت القوات الحكومية على بلدتى شاير وأكسوم، بعد انتهاء مهلة ثلاثة أيام التى منحها رئيس الوزراء آبى أحمد لقوات تيجراى للاستسلام، وانتهت يوم الثلاثاء. وأقر زعيم جبهة تحرير تيجراى، ديبريتسيون غبريمايكل، بأن جنوده فقدوا السيطرة على البلدتين، الواقعتين فى جنوبى وغربى إقليم تيجراى، لكنه وصف انتصار القوات الإثيوبية بأنه مؤقت، وتعهد بهزيمة قوات آبى أحمد.
هجمات وإطلاق صواريخ
أطلقت القوات المقاتلة فى إقليم تيجراى صواريخ على بحر دار، عاصمة إقليم أمهرا الإثيوبى المجاور يوم الجمعة الماضية، ما زاد المخاوف من اتساع رقعة النزاع ليشمل أجزاء أخرى من البلاد غداة إعلان السلطات تقدم قواتها باتجاه ميكيلى عاصمة الإقليم.
وأفاد مسئول الاتصالات الإقليمى فى أمهرا، "جيزاشيو مولونيه"، أن جبهة تحرير شعب تيجراى أطلقت ثلاثة صواريخ لم تسفر عن إصابات أو أضرار، موضًحا أن صاروخين سقطا بالقرب من المطار بينما أصاب الثالث حقل ذرة.
وهذه هى المرة الثانية التى تشتكى فيها الحكومة الإقليمية لأمهرا من هجمات من المنطقة المجاورة. بعد قصفها قبل أسبوع لأكبر مدينتين بإقليم أمهرا. كما اتهمت الجبهة القوات الحكومية بشن هجوم على جامعة ميكيلى أسفر عن إصابة عدد غير محدد من الطالب يوم الجمعة أيًضا، وقال رئيس إقليم تيجراى دبرتسيون غبر ميكائيل، أن الضربة الصاروخية التى استهدفت مطار بحر دار نّفذت للرد على هذا الهجوم.
وأضاف المتمردون، أن تلك هى الضربة الجوية الرابعة التى تتعرض لها ميكيلي. ونفت الحكومة من قبل قصف مركز المدينة، وقالت إنها نفذت هجمات على أهداف عسكرية على مشارفها فقط.
وفى وقت سابق من الأسبوع الماضى، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى أنها شنت هجمات صاروخية على أسمرا، عاصمة إريتريا المجاورة التى تتهمها بدعم الجيش الإثيوبي. وتنفى أديس أبابا وأسمرا هذه الاتهامات.
سيطرة الحكومة الإثيوبية على بلدتى أكسوم وأدوا فى إقليم تيجراي
أفادت حكومة أديس أبابا فى ساعة متأخرة من مساء أمس الجمعة، أن القوات الإثيوبية تسيطر على بلدات، وتتقدم نحو ميكيلى عاصمة تيجراى على الرغم من ُمقاومة قوات الإقليم التى استخدمت الجرافات لإلحاق أضرار بالطرق.
وقالت الحكومة الإثيوبية فى بيان، أن قواتها التى تقاتل قادة إقليم تيجراى فى شمال البالد، سيطرت على بلدتى أكسوم وأدوا. وذكر البيان أن القوات الإثيوبية تتقدم صوب بلدة آديجرات، على بعد 116 كيلومترا من ميكيلى عاصمة الإقليم. وقال البيان: "استسلم كثيرون من مقاتلى المجلس العسكري".
ووفق بيان نشره مكتب لجنة حالة الطوارئ الحكومية على حسابه عبر تويتر، فإن مدينة آديجرات "حررت بالكامل. مضيًفا أن القوات الحكومية تواصل التقدم نحو مركز الإقليم من ميليشيات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، مدينة ميكيلي. بمنطقة نيفاسيلك الفتو. وفى وقت سابق، ضبطت شرطة أديس أبابا أسلحة نارية وقنابل يدوية فى عدة مبان وفًقا لإذاعة "فانا" الإثيوبية.
الوضع الإنساني
دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الجمعة الماضية، إلى "فتح ممرات إنسانية" فى إثيوبيا لتوفير المساعدات للسكان العالقين فى النزاع الدائر فى إقليم تيجراى، معربًا عن أسفه لرفض السلطات أى وساطة.
وقال لوسائل إعلام فى نيويورك: "نشعر بقلق بالغ حيال الوضع فى إثيوبيا والأثر الإنسانى المأسوى الذى يمتد إلى السودان." وأضاف: "نقوم بكل ما هو ممكن لحشد الدعم الإنسانى للاجئين الموجودين حالًيا فى السودان. ونطالب بالاحترام الكامل للقانون الدولى وبفتح الممرات الإنسانية"، دون أن يحدد مواقعها.
وحذرت المنظمات الإنسانية الدولية من استمرار الصراع فى تيجراى شمال إثيوبيا ومدى تأثيره على آلاف اللاجئين الفارين من الصراع الدائر بين الجيش الإثيوبى وقوات جبهة تحرير تيجراى، حيث أدى تصاعد الصراع إلى هروب آلاف المواطنين من المنطقة فى تيجراى ومحاولة اللجوء إلى الدول الحدودية) (السودان، وإريتريا) مما تسبب فى فقدان العديد من الأطفال لذويهم وانقطاع الاتصال بين بعض الأسر.
ووفق الأمم المتحدة هناك توقعات بفرار أكثر من 200 ألف شخص من إثيوبيا خلال الأيام المقبلة فى الوقت الذى أكدت فيه وكالات الإغاثة على الحاجة لإيجاد مواقع إضافية لإيواء الوافدين مع اكتظاظ المخيمات جنوب شرق السودان.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" من أن الصراع الدائر فى إقليم تيجراى ترك قرابة 3.2 مليون طفل بحاجة ماسة للمساعدة، مشيرة إلى أن آلاف غيرهم معرضين للخطر فى مخيمات اللاجئين.
وتلقى التطورات الضوء على تسارع وتيرة الصراع الدائر منذ أيام على نحو يزيد من خطر الحرب الأهلية، ويحذر خبراء ودبلوماسيون من أنها قد تزعزع استقرار البلد الذى يقطنه 110 ملايين نسمة وتضرب منطقة القرن الأفريقى وشرق أفريقيا بشكل عام.