خطوات كبرى يشهدها "معبد خنوم" الفرعونى بمدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر، بمشروع قومى لتطويره بالكامل لدخول عالم جديد من التجديد وفتح آفاق سياحية جديدة داخله، حيث بدأت مؤخراً البعثة المصرية الألمانية المشتركة بين مركز تسجيل الآثار بوزارة السياحة والآثار، وقسم المصريات بجامعة توبنجن الألمانية، أعمال الموسم السادس فى مشروع ترميم وتوثيق معبد إسنا بمحافظة الأقصر، حيث إنه انطلقت أعمال البعثة هذا الموسم والتى من المقرر أن تستمر حتى الشهور الأولى من عام 2021.
ويقول المهندس محمد سيد سليمان رئيس مركز ومدينة إسنا، أن المشروع القومى الذى تقوم عليه وزارة السياحة والآثار فى تطوير معبد خنوم بإسنا يساهم بشكل كبير فى دعم الأهالى والعاملين بالقطاع السياحى، حيث أنه لدى عودة حركة السياحة بكامل طاقتها ستكون مدينة إسنا فى مصاف المدن السياحية الهامة بالأقصر خلال الفترة المقبلة مع نهاية تلك المشروعات القومية التى تتم حالياً، وعلى رأسها تطوير معبد خنوم والسوق السياحى ووكالة الجداوى التاريخية.
ويضيف المهندس محمد سيد سليمان فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، على أن إن مشروع "إكتشاف أصول إسنا التراثية والتاريخية" يعتبر من الخطط العالمية التى تعيد إحياء كافة المواقع الآثرية والتراثية لخدمة السائحون الذين يتوافدون بصورة يومية على مرسى المدينة السياحية ضمن رحلات المراكب النيلية الأقصر – أسوان، موضحاً أن كافة الجهات تقوم بمتابعة هذا المشروع العالمى والذى يتم خلاله إعادة الترميم والتأهيل فى منطقة "وكالة الجداوى" التاريخية، و"سوق القيسارية" و"محيط معبد الأقصر"، مشدداً على أن المشروع يسمى (إعادة اكتشاف الأصول التراثية الثقافية بمدينة إسنا)، وبالتعاون مع كل من محافظة الأقصر ووزارة الآثار، حيث يتم تنفيذ هذا المشروع بتمويل من الشعب الأمريكى من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى إطار الاتفاقية المشتركة بين حكومتى جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية بشأن الاستثمار المستدام فى السياحة بمصر "سايت"، والذى يهدف إلى زيادة تنافسية قطاع السياحة فى مصر من خلال رفع مستوى إدارة المواقع التراثية وترويجها والحفاظ عليها، لتحسين العوائد الاقتصادية لسكان المنطقة، حيث يهدف المشروع إلى إطلاق إمكانات التراث الثقافى المتنوع لمدينة إسنا بما يمهد لإعادة إحياء تلك المنطقة بصورة مستدامة، ووضع المدينة بما تشكله من معالم تراثية متميزة على الخريطة السياحية بمصر.
فيما يقول الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن أعمال الترميم تهدف إلى إظهار الرسومات التى يتفرد بها المعبد، حيث تتضمن الأعمال داخله القيام بالترميم والتنظيف للحوائط، بجانب تثبيت الألوان وإزالة السناج فى المقصورات والجدران المختلفة، كما سيتم إعادة تركيب بعض البلوكات الحجرية التى تساقطت عبر الزمان، وتشمل أعمال ترميم وتنظيف طبقات السناج والاتساخات وإزالة الأملاح من جدران وسقف المعبد وإظهار الألوان الأصلية للنقوش، خاصة النقوش الفلكية التى تزين سقف المعبد، والتى سبق وتمكن فريق الترميم من إظهار جزء كبير منها خلال أعمال المواسم السابقة، حيث عانت نقوش المعبد الملونة على مر قرون، من تجمع طبقات سميكة من السناج والأتربة والاتساخات، بالإضافة إلى مخلفات الطيور والوطاويط، وعشش العناكب وكذلك تكلسات الأملاح، حيث بدأت خلال الفترة الماضية منطقة آثار الأقصر، أعمال مشروع ترميم وتطوير معبد إسنا، أواخر عام 2018، وذلك فى إطار خطة وزارة الآثار لتطوير المناطق الأثرية، وأعمال الترميم وقتئذٍ كانت تهدف إلى إظهار الرسومات التى يتفرد بها المعبد، حيث تضمنت الأعمال ترميم وتنظيف الحوائط وتثبيت الألوان وإزالة السناج وإعادة تركيب بعض البلوكات الحجرية التى تساقطت عبر الزمان.
و أضاف الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن معبد خنوم بمدينة إسنا يتواجد على بعد حوالى 55 كم جنوب مدينة الأقصر على الضفة الغربية لنهر النيل، حيث تم اكتشافه وتنظيفه من الرديم عام 1843م أى فى أواخر عصر محمد على باشا، وكان المعبد قديما مخصص لعبادة المعبود خنوم وعائلته منحيت ورت، وهو خالق البشر وكذلك المعبودة نيت وعائلتها بجانب معبودات أخرى، موضحاً أن أن أهم ما فى المعبد صالة الأعمدة التى تعتبر من أجمل المبانى فى مصر وترجع للعصر اليونانى الرومانى، فهى عبارة عن صىالة مستطيلة الشىكل ذو واجهة ذات طراز معمارى خاص ويحمل سقفها 24 اسطوانا بارتفاع 5,13م ومزخرفة بنقوش بارزة ذات تيجان نباتية متنوعة، وتعتبر هذه القاعة (الصالة) من أجمل صالات الأعمدة فى مصر على وجه العموم من حيث تماثل النسب وطريقة نحت تيجان أعمدتها وبقاءها فى حالة جيدة من الحفظ، والمناظر الداخلية للمعبد تتعلق أغلبها بالديانة والعقيدة فى تلك الفترة وتتكون من مؤلفات دينية ونصىوص عن خلق العالم.
ويؤكد الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن ذلك العمل فى تطوير المعبد يأتى فى إطار خطة وزارة الآثار بقيادة الدكتور خالد العنانى لإعادة الحياة لعدد من المعاب بمحافظة الأقصر وتطويرها لخدمة حركة السياحة والزيارات اليومية لتلك المواقع التى كانت خارج قوائم زيارات شركات السياحة، حيث تم العمل من قبل فى معبد مونتو بمدينة الطود كما يجرى الترميم والتطوير لعدد من المعابد والصالات فى الكرنك، وكذلك إحياء الصالات والمقصورات المختلفة فى معبد الأقصر.
أما أحمد حسن أمين مدير عام آثار إسنا وأرمنت ومدير معبد إسنا السابق، بأن المعبد يعتبر من أهم المعالم السياحية بمدينة إسنا، حيث أنه الوحيد الباقى من أربعة معابد كانت موجودة فى إسنا ثلاثة منها فى شمال غرب إسنا فى (أصفون – كوم الدير – غرب اسنا)، أما الرابع فكان يقع فى شرق اسنا (الحله)، وفى عام 1830 تم اكتشاف معبد آخر فى كومير جنوب غرب اسنا بحوالى 10 كم، إلا أن هذه المعابد اختفت منذ القرن الماضى ولم يبق منها غير ما يدل عليها، مؤكداً على أنه قام العالم الفرنسى (شمبليون) بزيارة معبد إسنا فى عام 1828م وذكر أنه رأى نقوشا تحمل اسم الملك تحتمس فى هذا المعبد، ويعتقد أن المعبد الحالى أقيم على أطلال معبد قديم يرجع بدايته إلى عصر الأسرة الثامنة عشرة، حيث عثر على نقوش تحمل اسم الملك تحتمس عام 1468 – 1436 ق.م الذى جاء ذكر مدينة اسنا باسمها فى عهده.
ويضيف أحمد حسين أمين لـ"اليوم السابع"، أن أغلب المؤرخون رجحوا أن المعبد يعود إلى عصر الدولة الوسطى الأسرة الثانية عشرة 1991- 1778 ق.م، حيث تعرض المعبد للتهدم وأعيد بناؤه فى العصر الصاوى للأسرة السادسة والعشرين، ويرقد معظمه أسفل المنازل الحديثة بإسنا، أما المعبد الحالى فقد بدأ تشييده فى عهد الملك البطلمى بطليموس الملقب باسم فيلوميتور أى المحب لأمه، وقد أضيف إليه فى العصر الرومانى قاعة أساطين ترجع لعصر الامبراطور الرومانى (كلوديوس) 40م، وتمت زخرفة الصالة فى عصر كل من فيسيان وتراجان وهادريات، وآخر نقوشها ترجع لعهد الامبراطور دكيوس حوالى سنة 249 – 250م على الجدار الغربى للمعبد، أى أن هذا المعبد استمر فى بنائه وزخرفته خلال 400 عام على فترات منفصلة ما بين عام 181 ق.م – عام 250 م.
ويؤكد مدير آثار إسنا وأرمنت، على أن معبد خنوم بإسنا يتواجد على الضفة الغربية لنهر النيل على بعد 100م تقريباً من نهر النيل، ويتعامد رأسياً عليه على محور واحد وتنخفض أرضية المعبد بعمق 9م تقريباً عن مستوى الأرض الحديثة لمدينة إسنا ويتم النزول إليه بسلم حديث تم إعداد من وزارة الآثار، وخصص هذا المعبد لعبادة الإله خنوم مع كل من زوجته منحيت – نيبوت، أما الإله خنوم فقد مثل برأس كبش وجسد إنسان ويعرف باسم الإله الفخرانى أو خالق البشر من الصلصال وباسم خنوم رع سيد إسنا، أما الإلهة منحيت فقد مثلت برأس أنثى الأسد ويعلوها قرص الشمس وجسد أنثى وتشبه الإلهة سخمت لهذه القوة، أما الإلهة نيبوت الزوجة الثانية لخنوم ويعنى اسمها سيدة الريف، وقد مثلت بهيئة أدمية على شكل سيدة يعلو رأسها قرص الشمس بين قرنين وهى هنا تشبه الإلهة إيزيس فى هيئتها.
وفى نفس السياق يشرف مركز طارق والى للعمارة والتراث على مشروع "مركز الزوار" بمنطقة معبد إسنا الأثرية، للتأكيد على أن العمارة أحد رواسم الإنسان والتى يخاطب بها زمانه ويسجل بها إبداعياته لما بعد الزمان، حيث يقول المركز:- "جوهر مسئوليتنا إستقراء أنساق عمارة المكان الموجود به تلك الموروثات، إستقراء تحليلى وأحياناً نقدى للموروث فى ذاته، وإكتشاف المنظومات الهندسية، تلك الطاقات الكامنة التى تعطى للموجود وجوده وقيمته، ثم صياغة عمارة ذات المكان أو مجاله العمرانى اليوم من خلالها، ولسنا هنا بقصد التقليد وتوظيف مفردات معمارية وتشكيلية تراثية، ولكننا نعرج بالقدرة الإبداعية للتواصل مع القيمة المطلقة الماثلة فى تلك المنظومات، نعزف من خلالها ألحاننا الآنية، فى تناغم مع ما كان لنفتح الباب لما ممكن أن يكون، ومن هذه الرؤية يتشكل مشروع مركز الزوار بتفاعل عمارة المبانى المستحدثة وإنسجامها مع ذات المكان، فتتشكل صورة جديدة قديمة لها دورها التنموى للمجال العمرانى وللإطار المجتمعى المتفاعل معه".
وأكد المركز على أن الرؤية المقترحة لتطوير مركز الزوار تتضمن، توفير منطقة للخدمات السياحية ومركز معلومات للزائرين ومتحف للمنطقة، واستغلال الموقع المركزى لمنطقة المعبد وتطويرها لوضعها على الخريطة السياحية الاستثمارية، وفتح مجالات الرؤية أمام وحول المعبد وإزالة المبانى المتهدمة وتطوير القائم منها، وخفض منسوب الطريق المؤدى إلى المعبد من المرسى النهري، وفتح المجال البصرى للمعبد من النيل واستحداث ساحة متدرجة مفتوحة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة