عبر سنوات طويلة قدم شيوخ ورموز الأزهر الشريف رأيهم فى جماعة الاخوان ومنهجها ،وفندوا بموضوعية كل ادعاءات الجماعة وفضحوا انتهازيتها وجهلها، وهو الامر الذى يؤكد ان الحكم على منهج الجماعة ليس وليد موقف سياسى كما تروج وانما هو خلاف منهجى وفيما يلى نستعرض شهادات عدد من رموز الأزهر فى حق الجماعة.
سجل الشيخ احمد «الباقورى» شهادة تاريخية بشأن الإخوان الذين ظل ممثلا لهم حتى قبول وزارة الأوقاف التى رشحته لها الجماعة بنفسها قبل أن تختلف مع الضباط الأحرار. ويقول الشيخ الجليل: «ليس يسع الذين قرأوا تاريخ أمتنا إلا أن يمقتوا العنف، فضلا عن القتل، مهما تكن الدواعى إليه والمسوغات له فى نظر الخادعين أو المخدوعين، وفى تاريخنا الحديث رأينا العنف يأخذ الطريق على خطط الإصلاح التى أراد لها زعماء الأمة أن تقود وأن تسود، والاستعانة بالعنف الدامى على تأييد خطوات الإصلاح والتمكين للمصلحين لم يثمر إلا أسوأ النتائج».
ويتابع الباقورى: «مجاهدة الغاضبين المستعمرين عمل تزكية الفطرة وتحرص عليه الشريعة، كما أخبرنى الأستاذ المرشد حسن البنا، بيد أن هناك وقفة، وهى أن الانحراف عن هذه الغاية المشروعة فى قتال الغاصب المحتل، إلى غاية أخرى تتحرى مقاتلة المواطنين، أمر كرهه للمسلم رسول الله بقوله الشريف الذى نهى فيه عن قتال المصلين، فإذا أقدم المسلم على قتل أخيه الذى انقاد لشرائع الإسلام، فإن ذلك بلا ريب خطأ فى الاجتهاد، ضرره أكبر من نفعه، وشرّه أكثر من خيره، فإذا جاهد الرجل مُغتصبا لبلده، أو مُعتديًا على مقدساته، فإن ذلك أمر تُزكّيه الفطرة ويرضاه الدين، فأما إذا خيل له أن مجاهدة مواطنيه أو ولى الأمر فى بلده، فشهر سلاحه فى وجهه، فإن ذلك صدع فى المروءة ووهن فى الدين، ويتمثل هذا الفرق بين هاتين الصورتين من صور الجهاد، قتال الغاصب المحتل، وقتال المواطن الأعزل، فقتل رجل يؤدى عملا لبلده مثل القاضى الخازندار هو بلا ريب عمل يأباه المصلحون الذى يحرصون على التقيد بالتزام حدود الله».
ويستطرد الشيخ الباقورى: «بعد مقتل البنا، جاء فى ذات يوم بعض الإخوة فى حلوان وأبلغونى رغبة الجماعة فى الثأر، وأنه لا يكافئ البنا إلا الملك فاروق نفسه، ثم طلبوا منى أن أستعين على تكوين الرأى بثلاثة أشخاص، الهضيبى والحاج أمين الحسينى مفتى فلسطين، وقد رفضا الاقتراح، ومحب الدين الخطيب الذى ما كاد يسمع كلمة الأثر حتى تغيّر وجهه وتعثّرت الكلمات فى لسانه، ثم قال: إن تعليم الشعب أمور دينه وتربيته على آداب الإسلام، تجعل الحكم يسعى إليك سعى المريض إلى الطبيب، يطلب عنده الشفاء، أو سعى المُعدَم إلى الغنىّ يستعينه على تحصيل الغذاء والكساء، فلما لم يقنع المرشد برأى، ترك جماعة الإخوان مكتفيا بإصدار مجلة الزهراء وصحيفة الفتح، التى كانت تعنى بأنباء الغارة على العالم الإسلامى، وبذلك يكون محب الخطيب أول خارج على نظام الجماعة فى عهد البنا، وقد جاءنى الثلاثة فأخبرتهم بما قال الثلاثة، لكنهم لم يقتنعوا، فأخذوا يُدبّرون أمرًا يُفضى إلى اغتيال حامد جودة رئيس مجلس النواب، وإبراهيم عبد الهادى رئيس مجلس الوزراء، ولم ينجحوا فيما أرادوا، وكان ذلك فى شهر مايو1949.
الشيخ جاد الحق على جاد الحق
موقف الإمام الأكبر الدكتور جاد الحق على جاد الحق من الإخوان أعلنه بوضوح فى كتاب «بيان للناس من الأزهر الشريف»، قال فيه: «ظهرت فى العشرينيات من مارس 1928 حركة تنادى بوجوب الاستغناء عن القوانين الوضعية، والعودة إلى القوانين الإسلامية، بحكم أننا دولة إسلامية، وأن تاريخنا الطويل منذ عهد الفراعنة ورسالة إدريس عليه السلام يقوم على الدين، وأن حضارتنا فى جميع عصورها مصبوغة بصبغة دينية، إلى جانب أننا كبشر لا يصح أن نستغنى عن هداية الله بهداية غير الله، تمسكا بالمادة الأولى فى دستور الحياة البشرية يوم أن أهبط الله آدم إلى الأرض».
وأضاف فى كتابه: «كانت هذه الحركة قائمة على الدعوة، وتهيئة الأذهان لقبول هذه الفكرة، وتهيئة المجتمع ليكون مجتمعا إسلاميا، ينتهى إلى أن تكون مصر بحكمها وشعبها بلدا إسلاميا بالمعنى الصحيح. وحين اهتمت هذه الجماعة بإصلاح القاعدة ولم تتعجل الحكم، اهتم بعض أفرادها، أو جماعة أخرى تستهدف هذه الغاية بالقمة، معتقدة أن الحكم الإسلامى قانونا وتطبيقا لا يعود إلا بالاستيلاء بسرعة على السلطة القائمة، وقتل الحكام الذين تربوا فى أحضان الاستعمار، لأنهم فى نظرها كفار بطريق مباشر أو غير مباشر، صراحة أو ضمنا، وكان من أثر هذا الاعتقاد انحراف فى السلوك، أدى إلى قتل واغتيال وتخريب وفتنة، راح ضحيتها أبرياء».
واستطرد الإمام الراحل جاد الحق على جاد الحق فى تعداد جرائم الإخوان وانحرافاتهم، وبحسب ما ذكره فى كتابه فقد أورد قائمة من الحوادث المقطوع بثبوتها فى حق الإخوان، وقال: «نسجل للتاريخ بعض هذه الأحداث فيما يلى: اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى فى 1948، واغتيال رئيس جماعة الإخوان حسن البنا فى 1949 كرد فعل على اغتيال النقراشى، ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر سنة 1954، وقتل بعض طلبة الكلية الفنية العسكرية فى إبريل 1974، واغتيال الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977، وترتب عليه إعدام رئيس جماعة التكفير والهجرة وخمسة ممن عاونوه، واغتيال رئيس الجمهورية محمد أنور السادات يوم 6 أكتوبر 1981» مؤكدا فى كتابه أن تلك الحوادث وغيرها، من أهم مظاهر العنف التى ترتبت على التطرف الدينى فى الفكر والأسلوب، الذى اعتمدته جماعة الإخوان منذ نشأتها فى عشرينيات القرن الماضى
الشيخ الشعراوى
انضم الشيخ محمد متولى الشعراوى، إلى جماعة الإخوان فى ثلاثينيات القرن الماضى، وكان خطيب التنظيم الأبرز، وكتب شعرا فى مدح مؤسس الجماعة حسن البنا، لكنه كما هو الحال مع كل سابقيه من أصحاب الرأى والوعى، خرج من التنظيم بعدما تأكد له انحرافه، وأن الإسلام لديهم لا يتجاوز الحناجر.
كان إمام الدعاة قاطعا فى رأيه بشأن جماعة الإخوان الإرهابية، إذ قال نصا: «إن أعدائى هم الشيوعيون والإخوان المسلمون»، وبعدها بسنوات طويلة سُئل الشيخ الشعراوى عن رأيه فى حوار صحفى أجرته معه مجلة المصور، فأقر بقوله ولم ينكره، موضحا الأمر بالقول: «الإخوان لا يسمعون الإسلام إلا من حناجرهم.. إن قام واحد ليقول فى الإسلام وليس منهم فلا يسمعون حديثه.
قصة «الشعراوى» مع الإخوان ثرية ومليئة بالتفاصيل والمحطات، عاينها الرجل بنفسه وعن قرب، فسمحت له أن يُكوّن وجهة نظره عن الجماعة بنفسه، نظرا لأنه كان عضوا بالتنظيم، ويقول الشعراوى فى واحد من آرائه: «فى 1938 أردنا الاحتفال بذكرى سعد باشا، إذ كنت أعتبر الاحتفال بذكراه احتفالا بذكرى وطنية، وألقيت قصيدة امتدحت فيها زعماء الوفد، فغضب حسن البنا، وبعدها فى جلسة مع مجموعة من الإخوان فيهم البنا، لاحظت أن الحاضرين يتحاملون على النحاس باشا، وفوجئت بأحد الحاضرين يقول: إن النحاس هو عدونا الحقيقى، أعدى أعدائنا، لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعًا فتنطفئ وتنتهى! كان هذا الكلام جديدًا ومفاجئًا لى، ولم أكن أتوقعه، وعرفت أن المسألة ليست مسألة دعوة وجماعة دينية، وإنما سياسة وأغلبية وأقلية وطموح إلى الحكم، وفى تلك الليلة اتخذت قرارى بالابتعاد، وقلت: سلام عليكم، مليش دعوة بالكلام ده».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة