فوز محتمل ينتظر المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية جو بايدن، ليعيد الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض وإدارة الولايات المتحدة، ويغير بطبيعة الحال قناعات وآليات عمل جزء ولو بسيط من المؤسسات الأمريكية ودوائر صنع القرار، وهي الخطوة التي قابلها دون وعي، التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية بحالة من الابتهاج، والترحاب، أملاً في أن تكون إدارة الرئيس الأمريكي المحتمل جو بايدن قبلة حياة للتنظيم ومشروع الإسلام السياسي، في مصر وغيرها من دول وبلدان الشرق الأوسط.
الرهانات الإخوانية المدعومة من قطر وتركيا تغفل حقائق تاريخية لا يمكن إنكارها، في مقدمتها أن فشل مشروع الإخوان في السلطة والذي حدث في كلٍ من مصر وتونس وغيرهما من الدول التي زارتها رياح ما عرف بـ"الربيع العربي"، لم يكن مرتبطاً بطبيعة من يحكم الإدارة الأمريكية أو الحزب الذي يهيمن على الغالبية في الكونجرس الأمريكي، وإنما كان فشلاً داخلياً واضحاً في الآلية التي حاولت بها جماعة الإخوان التحول من تنظيم سري قائم على القتل والإرهاب، إلى كيان سياسي قائم على التمثيل المعلن في المؤسسات التشريعية والتنفيذية.
بايدن يقترب من إعادة الديمقراطيين للحكم بعد خسارة مهينة لهيلاري فى 2016
وفى ظل اقتراب المرشح الديمقراطي خطوة تلو الأخرى تجاه "البيت الأبيض"، تغفل جماعة الإخوان حاجتها الملحة للإجابة على تساؤلات عدة ـ أمام أنصارها وأتباعها ـ قبل أن تكون أمام الشعب المصري، لعل أهمها: ماذا تنتظر الجماعة من إدارة أمريكية يقودها الديمقراطيون رغم أن انهيارهم الكامل وثورة 30 يونيو كانت في ظل إدارة يهيمن عليها الحزب الديمقراطي ممثلاً في الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ونائبه (الرئيس المحتمل) جو بايدن، ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي غادرت منصبها أملاً في أن تكون أول رئيسة للولايات المتحدة.
ومن بين الأسئلة الشائكة التي يتهرب منها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان: هل تكرر الإدارات الديمقراطية سيناريو الرهان على الإسلام السياسي؟ والإجابة هنا تتطلب أن يفتح قادة الجماعة أعينهم على ما هو واضح من حقائق، وما هو راسخ من مواقف يعود تاريخها إلى ما بين 2010 إلى 2016، تلك الفترة التي كانت جماعة الإخوان وممارساتها سبباً ربما يكون رئيسياً في خسارة المرشحة لانتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، وهروب الأمريكيين لمرشح لا يمثل دوائر السياسة، ولا يمتلك خبرات إلا في عالم المال والأعمال.
المراقب الجيد لتطورات الأحداث داخل مصر ودول المنطقة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، يدرك أن الرهان الخاسر على مشروع الشرق الأوسط الجديد، والدفع بجماعات الإسلام السياسي إلى دوائر السلطة في أعقاب ثورات عام 2011، ثم الفشل المدوي لتلك الجماعات كان يمثل انهياراً لمشروع الحزب الديمقراطي وأجندته في إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الفشل الذي جناه الحزب في انتخابات 2016.
باترسون خلال زيارتها مكتب إرشاد الجماعة الإرهابية
الرهانات الأمريكية الخاسرة على الإخوان وصلت ذروتها مع التقارب بين جماعة الإخوان والسفيرة الأمريكية لدي القاهرة في ذلك الحين، آن باترسون، والتي تولت مهام منصبها في منتصف عام 2011، قبل أن تغادر بعد 26 شهراً، قاعة كبار الزوار بمطار القاهرة ـ بلا رجعة ـ على متن طائرة متجهة إلى فرانكفورت نهاية أغسطس، بعد أشهر قليلة من ثورة 30 يونيو عام 2013.
اللقاء الأول الذى جمع قيادات جماعة الإخوان والسفيرة الأمريكية، كان بمبادرة من الأخيرة، حين زارت باترسون مقر الجماعة في 19 يناير 2012، ليرد الزيارة القيادى الإخواني عبد الرحمن البر في 26 من الشهر نفسه، في تقارب علقت عليه صحيفة نيويورك تايمز في إبريل 2012 بقولها : "أن المسئولين الأمريكيين الذين كانوا يخشون فى السابق من سيطرة الإخوان على الحياة السياسية، يبدو أنهم الآن يرون فى الجماعة حليفا لا يمكن الاستغناء عنه، فى مواجهة قوى أخرى مثل السلفيين".
تفاصيل اللقاءات التي جمعت باترسون في تلك الفترة مع قادة الجماعة لم تكن معلنة، إلا أن مصادر عدة أكدت أن السفيرة الأمريكية قدمت تطمينات كانت دافعاً للجماعة في العدول عن قرارها الذى اتخذته بعدم الدفع بمرشح في الانتخابات الرئاسية الأولي بعد ثورة 25 يناير، ليتم الدفع أولاً بالقيادى الإخوانى خيرت الشاطر، قبل أن يتم استبداله بالدكتور محمد مرسي، الذى تلقي دعماً مفتوحاً من السفارة الأمريكية التي كانت تنقل بدورها تقارير إلى الإدارة الأمريكية، أثبتت الأحداث بما لا يدع مجالاً لشك، أنها كانت غير دقيقة، إن لم تكن "مضللة".
العلاقات المشبوهة التي جمعت باترسون بالجماعة الإرهابية، كانت محور مقال بصحيفة واشنطن بوست والتى قال خلالها ديفيد إجنيسيوس: "لنكون أمناء، لقد كانت إدارة أوباما هى من مكن لمرسى بشكل أساسى".
كلينتون فى لقاء مع المعزول محمد مرسي
ومع توالى الأحداث فى عام الإخوان المظلم داخل السلطة، كان واضحاً لدوائر واشنطن السياسية، ولمؤسسات الدولة المصرية التي التزمت حتى اللحظات الأخيرة "ضبط النفس" أمام تجاوزات الجماعة، أن باترسون كان لها دوراً محورياً في تجنيب نظام محمد مرسي أى عقوبات أمريكية، وهو ما دفع قيادات في الكونجرس، من بينهم إليانا روز ليتينين إلى إرسال خطاب للخارجية الأمريكية، قالت خلاله إن السفيرة الأمريكية لدى القاهرة تساعد على تأسيس دولة دينية في مصر.
ومع احتدام المشهد داخل القاهرة، وبدايات انهيار الإخوان بعد الإعلان الدستوري المعيب، توالت مطالب العديد من الأحزاب المصرية الليبرالية واليسارية بضرورة تدخل الجيش إلى أن تحول هذا المطلب بمرور الوقت وبتكرار التجاوزات الإخوانية لمطلباً شعبياً، وهو ما ردت عليه باترسون في كلمة لها بنادي روتاري الإسكندرية برسائل حملت الكثير من الاستفزاز، حين قالت: التدخل العسكرى ليس الحل كما يدعى البعض.. الجيش المصرى والشعب المصرى لن يقبلوا بذلك كنتيجة"، وأشارت إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أمام الكونجرس التى قال فيها إنه "لا عودة للحكم العسكرى فى مصر نظرا لرفض القيادات العسكرية المحترفة أصلا لذلك".
ومع إدراك إدارة أوباما الذي جاء متأخراً لفشل مشروعها في مصر، كان قرار سحب باترسون من القاهرة اعتراف غير معلن بأن الرهان على الإسلام السياسي كان خطأ، وانتصار معنوي كبير للملايين الذين ملأوا ميادين مصر للمطالبة برحيل الإخوان عن السلطة في 30 يونيو.
باترسون منيت بعداء شعبى كان واضحاً فى 30 يونيو
ربما تجهل الجماعة الإرهابية ـ بقصد أو دون قصد ـ أن التقارب "الديمقراطي ـ الإخواني" كان سبباً في السقوط المدوي لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، أمام مرشح اعتبرته دوائر صنع القرار ومراكز الفكر داخل واشنطن "هاو"، إلا أن الجماعة عليها أن تدرك أن تكرار الإدارة الديمقراطية المحتملة في البيت الأبيض، بقيادة المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الأمريكية الحالية، جو بايدن، الرهان على الإخوان يخالف المنطق، وهو ما عززته اعترافات آن باترسون نفسها التى أدلت بها في 15 فبراير 2019، خلال ندوة عن 8 سنوات منذ الانتفاضات العربية فى مركز "التقدم الأمريكي" بواشنطن، حيث وصفت محمد مرسي بـ"الإسلامي المتطرف"، و"المتعجرف غير المؤهل"، والذى دفع بجماعة من "المنعزلين معدومى الخبرات" لإدارة البلاد.
وفى شهادتها التي تعكس إعادة تقييم واضحة واعتراف بالخطأ الذي وقع فيه قادة الحزب الديمقراطي في إدارة مشهد ما بعد الربيع العربى، قالت باترسون: "المشكلة مع مرسى لم تكن في أنه إسلامي متطرف، بل ببساطة فى أنه لم يكن يعرف ماذا يفعل، ومع زيادة الضغط عليه بدأ ينهار مع مجموعة من المستشارين المنعزلين الذين ليس لديهم خبرة، والكثير في الحكومة الأمريكية طفح بهم الكيل منه لأنه كان متعجرفا وغير مؤهل ومنعزل".
هيلاري تكبدت خسارة مدوية أمام ترامب فى 2016 رغم غياب خبراته السياسية
الثابت الذي ينكره الإخوان، أن ما منحته إدارة باراك أوباما للجماعة لن يكون متاحاً في ظل إدارة المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الأمريكية جو بايدن، فالثمن الذى تكبده الحزب من الرهان على الإسلام السياسي في الشرق الأوسط كان غالياً، والمشهد الذى كانت عليه الجماعة في 2011، وتغللها باسم الدين داخل مكونات المجتمع المصري وهيئاته ونقاباته وجمعياته الأهلية لم يعد قائماً.. وأن تاريخ الحمقي فقط، يعيد نفسه.