الاستقواء بالخارج والتحريض على الدولة المصرية نهج معتاد لجماعة الإخوان الإرهابية، فمنذ ثورة 30 يونيو، وإسقاط حكم جماعة الإخوان، وعزل محمد مرسى من السلطة، اعتمدت الجماعة على أدوات كثيرة من أجل العودة للمشهد ولكنها باءت بالفشل، فبجوار التظاهرات والاعتصامات التى نظمتها الجماعة كان هناك الاستقواء بالخارج الذى لا يزال حتى الآن هو قبلة الجماعة ووجهتها، فبعدما فشلت فعاليات الإخوان فى الخارج سواء من مسيرات أو اعتصامات تستمر حتى الآن الجماعة فى الاستقواء بالخارج لتحقيق مآربها.
لا يمكن الحديث عن استقواء الإخوان بالخارج دون الحديث أيضا عن كيفية استخدامها لتنفيذ أجندات خارجية، حيث تستغل بعض من أجهزة استخبارات الدول المعادية لمصر الجماعة فى تحقيق أهدافها الخبيثة من نشر الشائعات والأكاذيب وتمويل الإرهاب، وإثارة البلبلة فى المجتمعات العربية، كل الممارسات التخريبية والأهداف الخبيثة التى تحملها الجماعة فى منطقة الشرق الأوسط تأتى بتخطيط وتحريك من محور الشر الذى تمكن من السيطرة على جميع مفاصل التنظيم وتحريكه وفقا لأهوائه وأهدافه فى المنطقة.
دائما ما تتواصل الجماعة مع منظمات خارجية على رأسها منظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، لمطالبتها بعمل أى حراك لوقف الأحكام الصادرة ضد قيادتهم، ومع تقدم جو بايدن فى الانتخابات الأمريكية على حساب دونالد ترامب، انتابت حالة من الفرحة العارمة الجماعة، متوهمين وحالمين بعودة مشروع الإسلام السياسى حال فوز المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية جو بايدن، ولكنهم يغفلون ولا يدركون أن عقارب الساعة دارت، وأن مكانة مصر فى النظام العالمى تغيرت منذ عام 2014، وأن مصالح بايدن ستكون أكبر بكثير مع الدول المهمة فى الشرق الأوسط، مثل مصر والسعودية والإمارات، وهى الدول التى تحارب جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وبالتالى لن يعادى هذه الدول ومصالح بلاده معها من أجل عيون الإسلاميين، خصوصاً جماعة الإخوان، التى لا يزال أغلب الشعب الأمريكى يرون فيها تهديدا ومصدر خطورة ضد دولتهم وأمنهم القومي.
ومن جانبها أكدت الحقوقية داليا زيادة، مدير ومؤسس المركز المصرى لدراسات الديمقراطية، أنه نظراً للموقف الواضح لإدارة ترامب تجاه تنظيمات الإسلام السياسى، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، وتوعده باتخاذ ما يلزم من إجراءات لإعلان الإخوان تنظيم إرهابى، لجأت عناصر الإخوان فى أمريكا لتحصين أنفسهم من خلال اتباع إجراءات استثنائية وغير معتادة وأحياناً مناقضة لأيديولوجية الجماعة نفسها.
وأضافت داليا زيادة، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أنه على سبيل المثال، اتخذت المنظمات الإسلامية التابعة للإخوان خطوات برجماتية استثنائية للتعاون مع المنظمات اليهودية، على الرغم من تاريخ طويل من التحيزات الأيديولوجية فيما بينهما، والعداء التاريخى داخل الجماعة تجاه اليهود، مشيرة الى أنه عقب فوز ترامب مباشرةً، فى نوفمبر 2016، أعلنت اللجنة اليهودية الأمريكية تعاونها مع الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (إسنا)، وهى من أقدم المنظمات التابعة لتنظيم الإخوان فى أمريكا، على تأسيس جماعة دفاع ومناصرة وطنية باسم "المجلس الاستشارى اليهودى الإسلامى"، فى مشهد كان صادم وغير مفهوم لكثيرين.
وتابعت داليا زيادة: "بالتوازى مع ذلك كانت هناك حركة يسارية متطرفة بدأت تظهر فى الولايات المتحدة فى تلك الفترة شكلها الشباب المتطرف يساراً داخل الحزب الديمقراطى، أو حتى الشباب غير الحزبيين، لكنهم متمردين وحداثيين، وبالطبع رافضين تماماً لترامب وحزبه المتحفظ وسياسته، وبالفعل نجح هذا التيار اليسارى المتطرف فى فرض نفسه على الشارع السياسى فى أمريكا فى وقت قياسى، وساعده على ذلك حالة الاستقطاب السياسى الشديد التى وقعت فيها أمريكا منذ وصول ترامب للحكم، وكعادتها وجدت جماعة الإخوان ظهور هذا التيار الشبابى اليسارى المتطرف داخل أمريكا فرصة ذهبية لاستغلاله والركوب على مكتسباته والاستفادة منها لخدمة مصالح الإخوان فى أمريكا، بنفس المنهج الذى استخدموه للركوب على ثورة يناير فى مصر وغيرها من ثورات الربيع العربى، وبالفعل نجح الإخوان فى اختراق هذا التيار اليسارى المتطرف على الرغم من أن هذا التيار يدعم مبادئ تتناقض تماماً مع أيديولوجية الإخوان، بل يعتبروها من المحرمات، مثل المثلية الجنسية وتحرر المرأة، وغيرها".
ونوهت داليا زيادة إلى أن هذا التيار اليسارى المتطرف كان هو السبب الحقيقى فى إنجاح حملة بايدن، واستثارة مشاعر العضب ضد ترامب من خلال سلسلة من الاحتجاجات والمواقف السياسية، كان آخرها مثلاً الاحتجاجات الواسعة من أجل حقوق الأمريكيين السود بعنوان "حياة السود مهمة"، مؤكدة أن بايدن كان يتعمد مغازلة الإسلاميين، أثناء حملته الانتخابية، ليكسب رضاء هذا التيار اليسارى المتطرف، نظراً لأنه يعلم جيداً مدى التقارب الشديد بينهم وبين الإسلاميين، خصوصاً من شباب الإخوان وأيضاً نظراً لخبرته السابقة كنائب رئيس فى إدارة أوباما، وهى الإدارة التى أظهرت تعاطف غير مسبوق مع المسلمين داخل أمريكا وخارجها، فى محاولة من بايدن لإحياء مشاعر النوستالجيا والحنين بين الشعب الأمريكى لعهد أوباما، وكأنه يشير بشكل غير مباشر أنه سيدير البلاد بنفس روح وحماس أوباما، وقد رأينا جميعاً كيف أن أوباما كان مصاحباً لبايدن فى كل جولاته الانتخابية ويتحدث مع الجماهير بالنيابة عن بايدن وأكثر منه.
واستطردت داليا زيادة: "لهذا نشأ لدى الإخوان وهم بأن بايدن قادم لنصرتهم، لا ننكر أن الإخوان فى أمريكا قد التقطوا أنفاسهم، وعاد إليهم الإحساس بالأمان بعد أربع سنوات من الضغط والتضييق والتهديد الذى فرضته عليهم إدارة ترامب، لكن الحقيقة أن مصالح بايدن أكبر بكثير مع الدول المهمة فى الشرق الأوسط، مثل مصر والسعودية والإمارات، وهى الدول التى تحارب جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وكذلك الدول التى ترعاهم وتمولهم مثل تركيا وقطر، وبالتالى لن يعادى بايدن هذه الدول ومصالح بلاده معها من أجل عيون الإسلاميين، خصوصاً جماعة الإخوان، التى لا يزال أغلب الشعب الأمريكى يرون فيها تهديد ومصدر خطورة ضد دولتهم وأمنهم القومى فى النهاية بايدن سوف يحكم بما يخدم مصالح بلاده وفقط".
وقال الدكتور أبو الفضل الإسناوى، الخبير السياسى، إن عشم جماعة الإخوان الإرهابية فى عودة مشروع الإسلام السياسى حال فوز المرشح الديمقراطى جو بايدن يعود إلى استرجاع أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية لصورة الجماعة عند الحزب الديمقراطى أثناء إدارة أوباما، والتى صاحبها إعادة تصفيف الجماعة داخل مؤسسات الحكم فى دولتى تونس والمغرب.
وأوضح الدكتور أبو الفضل الإسناوى، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن جماعة الإخوان الإرهابية لا تدرك أن عقارب الساعة دارت منذ ذلك التاريخ والسياق الإقليمى والدولى، وأن مكانة مصر فى النظام العالمى تغيرت منذ عام 2014، متابعا: "وعليه لابد أن تعرف الجماعة الإرهابية أنها لن تحقق أغراضها حتى فى ظل إدارة بايدن، وإذا كانت الجماعة تعتمد على علاقتها القديمة بالحزب الديمقراطى الأمريكى، ووجود أعضاء من التنظيم الدولى كانوا مقربين من أوباما والآن هم أيضا مقربين من بايدن وجزءا من حملته الرئيسية، فإن هذه العلاقة لن تغير من الواقع، حتى وإن حاولت الضغط على بايدن من أجل التحرك لمصلحتهم".
وذكر الدكتور أبو الفضل الإسناوى، أن هناك أشخاصا من أعضاء التنظيم الدولى مقربون لبايدن مثل هوما عابدين ابنة أحد كبار أعضاء التنظيم الدولى، والتى من المحتمل أن تترشح لوزارة الخارجية، موضحا أن هذه السيدة تحمل عداء لمصر، كما أنها تعتقد كثيرا بأفكار سيد قطب، حيث أعدت دكتوراه عن الحجاب معتمدة على كتاب وحيد له، كما يبدو من الشخصيات التى سيكون لها تأثير على موقع بايدن من الإخوان، هو محمد الإبيارى، وهو من أصل مصرى، مقرب لبايدن ومن دائرته الضيقة، وكان أحد أعضاء مجلس الأمن القومى الأمريكى، كما أنه كان شاهد وحاصر على مقتل أسامة بن لادن مع أوباما ليرسل صورة أن جماعة الإخوان اختلفوا عن القاعدة.