منذ بداية طريقه داخل أروقة البيت الأبيض وهو يهاجم وسائل الإعلام الأمريكية التقليدية من قنوات وصحف ومواقع إخبارية إلكترونية، حظى الكثير منها على شهرة عالمية منذ ظهوره فى عالم الإعلام قبل سنوات طويلة، وكثيرًا ما اتهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وسائل الإعلام بعدم النزاهة، لافتًا إلى أنها تهاجمه ولا تنقل الواقع بحيادية، إلى جانب تحيزها سابقًا إلى منافسته الديمقراطية فى الدورة الانتخابية الماضية، هيلارى كلينتون.
واعتمد الرئيس الأمريكى منذ حملته الانتخابية على حسابه الرسمى عبر موقع التدوينات القصيرة، تويتر، معتقدًا أنه يمكن من خلاله بثّ رسائله وتوجيه الرأى العام سواء فى الداخل الأمريكى أو حول العالم إلى ما يؤيد أفكاره وتُوجهاته، ربما نجح "ترامب" فى التسويق إلى حسابه الرسمى وتوجيه الأنظار إليه إلى حد كبير، بينما لم ينجح فى إقناع جميع متابعيه بأفكاره وسياساته، بل العكس تحول حسابه إلى نقمة عليه، حيث أصبح منبرًا لمهاجمة وانتقاد مؤسسات وشخصيات عامة إلى جانب وسائل الإعلام الأمريكية والعاملين بها، حتى وفى بعض من لقاءاته الصحفية كان شديد الهجوم على تلك المؤسسات والصحفيين والذى ذكر أنهم من بين الأشخاص الأقل نزاهة فى العالم، رافضًا فى بعض الأوقات الرد والإجابة على تساؤلاتهم، وهو الأمر الذى من المؤكد أنه بات يبنى حاجزا كبيرا بينه وبين هؤلاء، ما يؤثر على صورته الذهنية أمام المتابعين والمشاهدين بشكل سلبى.
وظهر العداء بين ترامب وعديد من المشاهير منذ حقل تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، ولجأ الكثير منهم إلى حساباتهم الرسمية عبر تويتر وإنستجرام وغيرها من المواقع الشهيرة بالداخل الأمريكى إلى انتقاده وسياساته مع الإعلام وبشكل عام وأيضًا طريقة تعامله مع قرينته ميلانيا. وهو ما كان يلاقى بكثير من التأييد من قبل العديد من متابعى ومعجبى هؤلاء المشاهير، ويبدو أن الإعلام الأمريكى لم ييأس من محاربة ترامب ومحاولة الإيقاع به، وهو ما يتضح الآن خلال جولة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجارية، حيث الانحياز إلى منافسه الديمقراطى جو بايدن، والاتجاه إلى إبراز مساوئ ترامب وسلبياته، حتى أثناء فعاليات حملته الانتخابية رفضت بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى سفر مراسليها لتغطيتها، خوفًا من فيروس كورونا، مع الإشارة إلى أن المرافقين لترامب لا يرتدون الكمامات أثناء سفرهم على متن الطائرة الرئاسية، وأثناء تلك الفعاليات بشكل عام، ومع مؤشرات فوز بايدن تزداد وتيرة الانتقاد إلى الرئيس الأمريكى، إلى حد قطع البثّ أثناء خطاب ألقاه الخميس من البيت الأبيض متحدثًا عن عمليات تزوير فى العملية الانتخابية الجارية لصالح منافسه. ومن أبرز تلك الشبكات الإخبارية التى قامت بهذا الفعل: «NBC» و«ABC» و«CBS» و«CNBC» و«MSNBC»، ورغم بثّ «CNN» الخطاب كاملًا إلا أنها وصفته بـ«حفلة أكاذيب»، وقال المذيع جايك تابر معلقًا على خطاب ترامب: "يا لها من ليلة حزينة للولايات المتحدة الأمريكية أن تسمع رئيسها يتهم الناس بمحاولة سرقة الانتخابات".
ولم يتوقف الأمر حاليًا على هجوم المنصات الإعلامية التقليدية على ترامب، بل خذله أيضًا موقع تويتر، هذا المنبر الوحيد الذى كان ترامب يعمل على استخدامه، حيث قام الموقع الشهير فى عالم السوشيال ميديا على حجب عدد من التغريدات له منذ بدء عمليات الفرز فى الانتخابات الحالية. وقد برر تويتر ذلك بأن تلك التغريدات تأتى منافية لسياساته، حيث إنها تحتوى على معلومات وصفها بالمضللة، وهو ما دفع ترامب للقول بأن تويتر خرج عن السيطرة.
هذا واعترف بأنه ظل يحارب على مدار 3 سنوات وسائل الإعلام وعمالقة التكنولوجيا إلى جانب الديمقراطيين ليتمكن من البقاء، مهاجمًا بعض من الوسائل الإعلامية الشهيرة مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، زاعمًا أنهم سيندمون على مهاجمته وسيطالبونه بالترشح، محاولًا كسب تأييدهم فى اللحظة الأخيرة، من خلال قوله بأن بايدن ممل ومن ثم سيخسرون الكثير من القراء والمبيعات. وربما يأتى هذا التصريح ليؤكد أن الرئيس الأمريكى خسر رهانه على قدرته إدارة التسويق لنفسه بمفرده ومن خلال اعتماده على حسابه على تويتر الذى بالطبع أفاده كثيرًا، بينما تسبب فى خسارته فى النهاية بسبب عدم توظيفه جيدًا بالتوازى مع المنصات التقليدية والمؤسسات الأمريكية.
«زهرة اللوتس» رقم صعب استطاع الدفع بـ«بايدن» فى طريق البيت الأبيض
كامالا هاريس هى نائبة المرشح الديمقراطى الأقرب إلى الفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب المؤشرات الحالية، ويعنى اسمها بالهندية «زهرة اللوتس»، وتعد أول أمريكية داكنة اللون متوقع أن تحظى برئاسة أمريكا يوما ما فى ظل كبر سن بايدن والتوقع بأنه سيحظى بولاية واحدة حال فوزه، وهى ابنة لعائلة مهاجرة، خمسينية، درست القانون وزوجها محام يهودى، وعلاقتها بجو بايدن ترجع إلى علاقتها المقربة بابنه المتوفى بسبب مرض السرطان فى عام 2015.
مواقفها جعلت منها داعما قويا لبايدن فى رحلته إلى البيت الأبيض فهى رافضة للعنصرية، وبحكم لون بشرتها وتبنى والدتها، باحثة وناشطة مدنية، ثقافة السود فى أوكلاند، فهى قادرة على الجمع بين جميع الأطراف، إلى جانب علاقاتها مع منظمة لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية «آيباك»، واليهود بشكل عام، ومؤيدة لدعم حل الدولتين والعلاقات القوية بين واشنطن وتل أبيب، وربما هذا هو السبب الرئيسى فى دعم غالبية اليهود الأمريكيين لجو بايدن، إضافة إلى تأييدهم إلى العودة إلى الاتفاق النووى الإيرانى الذى كان قد انسحب منه ترامب.
وترى «هاريس» أن سيرتها ومشوارها الدراسى والعملى إلى جانب طبيعة نشأتها تجعلها فى صف المهمشين، كما عرفت بأنها داعية لإصلاح الرعاية الصحية بأمريكا، وحصول المهاجرين غير المسجلين على الجنسية الأمريكية، إلى جانب دعمها للمثليين وإلغاء جدولة الحشيش والماريجوانا.
بايدن والملفات الخارجية
التعامل مع القضايا والملفات الخارجية بالطبع يختلف من رئيس إلى آخر، خاصة أن دونالد ترامب كان له توجهات ربما اختلفت عن كثير من الرؤساء الأمريكيين ممن سبقوه فى كثير من الملفات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
ولكن من المؤكد أن هناك بعض الأطراف الواثقة من الاستفادة من وصول جو بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها إيران، فمن المتوقع إعادة سياسة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما وإعادة الاتفاق النووى الإيرانى، ومن ثم الابتعاد عن آلية فرض العقوبات الاقتصادية، وأيضًا ستُحقق قطر استفادة كبيرة، فمن المعروف علاقاتها القوية بالحزب الديمقراطى بشكل عام، وتأييدها الكبير لمرشحيه لتوافقه مع سياساتها فى كثير من المحاور.
وعن علاقة بايدن وجماعة الإخوان، فيتوقع عدد من الخبراء والمحللين السياسيين التحالف معهم فى بعض من دول منطقة الشرق الأوسط، على النهج ذاته الذى شهدناه فى عهد أوباما. وعن الملف السورى كان كبير مستشارى بايدن أشار إلى أنه مع فوز بايدن فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستحتفظ بوجود عسكرى فى شمال سوريا للضغط على نظام الرئيس السورى بشار الأسد. بينما بشكل عام تتجه أمريكا إلى إنهاء الحروب وتخفيض عدد قواتها فى الخارج أما بالنسبة لدول الخليج فرغم اختلاف توجهات بايدن مع بعضها فى بعض الملفات، إلا أنه سيُحافظ ويُوازن العلاقات معها وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية لما بينهما من مصالح مشتركة، فيما سيكون الاختلاف أحيانًا فى بعض الملفات.
وعن ملف الحرب على الإرهاب أكد بايدن فى إحدى مقابلاته الصحفية مواصلة هذا الملف ومسألة القضاء على داعش. ومع فوز بايدن من المتوقع أيضا دعم أمريكى لليونان فى ملف شرق المتوسط، أما عن علاقة واشنطن بأوروبا فسيسعى بايدن إلى إعادة توطيد العلاقات معها بعدما تراجعت كثيرًا فى عهد الرئيس ترامب، بسبب بعض سياساته تجاهها والتى دفعتها إلى التقرب من الصين كشريك اقتصادى واستراتيجى بديل عن الولايات المتحدة الأمريكية.