حروب المياه.. شعار أطلقه العديد من الخبراء الاستراتيجيين والمهتمين بالعلوم السياسية وقادة مراكز الفكر والرأي حول العالم، إلا أن الأزمات الدولية المباشرة، والحروب التقليدية المتتالية والتهديدات الإرهابية العابرة للخرائط والحدود، جميعها كانت كفيلة بأن يتراجع المصطلح ويتلاشي خلف أخطار ربما تكون أقل حدة، قبل أن تفاجئ بورصة وول ستريت الجميع قبل يومين، وتنشئ أول سوق للعقود الآجلة للمياه.
الخطوة التي تم الإعلان عنها لم تحمل تهديدات في ظاهرها، حيث قال المنظمون إنها تهدف لتنظيم عمليات زراعة المحاصيل، وتحمي المزارعين من الارتفاع المفاجئ للأسعار ، غير أنها أثارت قلق العديد من خبراء التابعين للأمم المتحدة، ومن بينهم أروجو أجودور، المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول علي مياه الشرب في المنظمة الأممية.
وأطلقت مجموعة "CME" التي تعمل في مجال العقود الآجلة لإدارة المخاطر، أول تعامل داخل بورصة وول ستريت يتعلق بالمياه، ما تبعه تحذيرات من أن تؤدي المضاربات من قبل الممولين لأن تتحول المياه كسلعة مثل الذهب والنفط، في ظل عالم تحاصره تغييرات مناخية عدة، وبات الجفاف يحاصر العديد من دوله، خاصة الدول الأفريقية.
وقال "أجودو" في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة: "الماء ملك للجميع وهو منفعة عامة، إنه مرتبط ارتباطا وثيقا بحياتنا وسبل عيشنا كلها، وهو مكوّن أساسي للصحة العامة"، ولفت الانتباه إلى أهمية الوصول إلى المياه أثناء محاربة جائحة كـوفيد-19.
ووفق منظمة الأمم المتحدة، أقدمت مجموعة CME، وهي مجموعة رائدة في مجال العقود الآجلة لإدارة المخاطر، أول عقد آجل للمياه في العالم للتداول بهدف مساعدة مستخدمي المياه على إدارة المخاطر وتحقيق توازن أفضل بين الطلبات المتنافسة على إمدادات المياه والطلب عليها، وسط حالة عدم اليقين التي تسببها الفيضانات الشديدة والجفاف وتأثير ذلك على توافر المياه".
ويسمح العقد الآجل الجديد للمياه، للمشترين والبائعين بالمقايضة بسعر ثابت لتسليم كمية ثابتة من المياه في تاريخ لاحق.
وبالإضافة إلى المزارعين والمصانع وشركات المرافق التي تتطلع إلى تثبيت الأسعار، يمكن أن تجذب العقود الآجلة تلك، المضاربين مثل البنوك للمراهنة على الأسعار لتكرار فقاعة المراهنة في سوق المواد الغذائية عام 2008.
وقال المقرر الخاص: "في هذا السياق، الخطر يتمثل في أن المرافق الزراعية والصناعية الكبرى هي التي ستكون قادرة على الشراء، مما سيؤدي إلى تهميش قطاع الاقتصاد الضعيف مثل صغار المزارعين، وتهميشه".
وأعرب الخبير الأممي عن قلق خاص من أن "المياه تُعامل الآن كالذهب والنفط وغيرها من السلع الأخرى التي يتم تداولها في السوق المالية في وول ستريت".
خبير الأمم المتحدة قال " تتعرض المياه بالفعل لتهديد شديد من جرّاء تزايد عدد السكان وزيادة الطلب والتلوث الخطير من الزراعة وصناعة التعدين، في سياق تفاقم تأثير تغيّر المناخ. وأكد الخبير الأممي على أن المياه مورد حيوي للاقتصاد، إلا أن الماء يحتوي على مجموعة من القيم الحيوية للمجتمعات لا يدركها منطق السوق.
وأضاف "في حين أن هناك مناقشات عالمية جارية بشأن القيم البيئية والاجتماعية والثقافية للمياه، تظهر الأنباء التي تشير بأنه سيتم تداولها في سوق العقود الآجلة في وول ستريت أن قيمة المياه، كحق أساسي من حقوق الإنسان، مهددة الآن".
بدورها، قالت شبكة بلومبرج الأمريكية إن خطط تداول العقود الآجلة للمياه أصبحت معروفة في سبتمبر من هذا العام، حينها تسببت حرائق الغابات والحرارة في أضرار جسيمة للساحل الغربي للولايات المتحدة.
ومن جانبها أشارت "بلومبرج" إلى أن هذه العقود ستفسح المجال لحماية مستهلكي المياه الكبار، مثل المزارعين وصناعة الطاقة الكهربائية، من تقلبات أسعار المياه. ويقصد بذلك أن المستهلكين سيكونون قادرين على التحوط ضد أسعار المياه المرتفعة.
ووفقا للوكالة فإن العقود الآجلة للمياه مرتبطة بمؤشر "ناسداك فيليس كاليفورنيا للمياه"، الذي تم إطلاقه في عام 2018. ويقيس متوسط السعر المرجح للمياه.
وستتم تسوية العقود الآجلة ماليا ولا يلزم توفير إمدادات مادية للمياه، وستشمل العقود عقودا ربع سنوية حتى عام 2022، يمثل كل منها 10 فدانا من المياه، حيث يتضمن العقد الأول 3.26 مليون جالون من المياه.
ومن جانبه قال دين دراي، المحلل الاقتصادى قال : إن تغير المناخ والجفاف والنمو السكاني من المرجح أن تجعل ندرة المياه وتسعير المياه موضوعاً ساخناً لسنوات قادمة".
وقال تيم ماكورت، رئيس فهرسة الأسهم ومنتجات الاستثمار البديلة في بورصة شيكاجو التجارية: إن "ملياري شخص يعيشون الآن في بلدان بها مشكلة مائية، وفي غضون أربع سنوات، قد يواجه ثلثا العالم تقريبًا نقصًا في هذا المورد" موضحا أن "فكرة إدارة مخاطر المياه تكتسب أهمية بالتأكيد". وفق "سبوتنيك ".
بارتون تومسون، أستاذ بجامعة ستانفورد لا يمكنه الجزم بما إذا كانت العقود الآجلة ستكون ناجحة، لكنه لا يرى هذا على أنه "تحول في سوق المياه" مشيرا إلى أن "هذا لا يغير الخطر الحالي المتمثل في نقص المياه في وقت ما في المستقبل".