سعد الدين إبراهيم "عراب" العلاقات بين الجماعة والغرب.. ولو ظل يتوضأ "بماء زمزم" لن يتطهر من الجرم..
الأمريكان "لعبوا" على الكسبان فى أحداث يناير..
وكل ما كتبه الإخوان عن تاريخهم "كذب وتلفيق"
وقصتى مع المذيع أحمد منصور دليل "قاطع" على كذب قناة الجزيرة
السلفيون أذكى من الإخوان سياسيًا
الإخوان خونة، هذا ما نعرفه جميعًا، لكن الأمر يحتاج إلى أدلة أيضًا، هذا ما فكر فيه الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى إدارة وتحرير جريدة الدستور عندما أصدر كتابه الجديد "رائحة الخيانة.. الإخوان والأمريكان فى أحداث يناير" عن "كتاب الهلال".
وقد استضاف "اليوم السابع" محمد الباز، فى الندوة، تحدث فيها عن الكتاب وعن مصر وأحوالها، قال إن الكتاب يرصد الأيام الأولى لأحداث 25 يناير 2011، وذلك من خلال الوثائق الأمريكية متمثلة فى الإيميلات التى وردت إلى "هيلاى كلينتون" التى كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية فى ذلك الوقت.
فى بداية الندوة، رحب الكاتب الصحفى خالد صلاح، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير "اليوم السابع"، بالدكتور محمد الباز، مؤكدًا أنه ليس مجرد زميل فى المهنة، بل هو أكثر من ذلك، فقد كتب وشارك فى اليوم السابع، كما أنه كان من أكبر الداعمين معنويًا.
وعن كتابه الجديد "رائحة الخيانة" وسبب تأليفه، أوضح محمد الباز أنه عند جمع رسائل هيلارى كلينتون رأى فيها رواية أمريكية مكتملة لـ كل ما حدث فى 25 يناير 2011، كون الأمريكان هذه الرواية من خلال مصادرهم المعلنة والسرية فى مصر، فى هذه الرسائل إدانات للكثير من الناس، وليس الإخوان فقط.
وتابع "الباز" بعد ذلك وضعت هذه الرسائل فى "سياق عام" فظهرت مفاجآت، منها أن الأمريكان لم يكونوا متعاونين –من البداية- مع الإخوان فى مؤامرة لإسقاط مصر، فالسياسية الأمريكية تقوم على أساس أنه عندما يكون هناك صراع فإنها تنتظر حتى ترى من سينتصر ومن يمتلك الأمر على الأرض، لذا فقد بدأت المؤامرة عندما فرض الإخوان سيطرتهم على الأرض بالفعل، وهذا لا ينفى أن الأمريكان كانوا داعمين للإخوان منذ وقت مبكر، ففى مقدمة الكتاب تحدثنا عما وقع فى عامى 2002 و2003، فعندما كان "سعد الدين إبراهيم" فى السجن وهناك التقى بـ خيرت الشاطر، وقال له "أنت تلتقى السفراء الأجانب والمسئولين الغربيين، ونريد أن نقابلهم"، وبالفعل سعى "سعد الدين إبراهيم فى ذلك"، وكان اللقاء فى النادى السويسرى فى إمبابة عام 2003، وكان هذا الحوار نقلة كبرى، وبدأت وقتها، تظهر أشياء تثير العجب، فرأينا عبد المنعم أبو الفتوح، يحتفل بعيد ميلاد نجيب محفوظ، ويصرح بأن الجماعة مع حرية الإبداع، ويظهر عصام العريان، ليصرح بأن الجماعة مستعدة لإعادة النظر فى اتفاقية السلام.
وعن تعامل الإدارة الأمريكية مع بداية أحداث يناير 2011؟ قال الباز كان لدى الأمريكان مشكلة كبرى، فقد كانوا يريدون الاحتفاظ بحليفهم "مبارك"، وفى الوقت نفسه الاحتفاظ بقيمهم الأساسية فى كونهم مع الحريات والديمقراطية ومع مطالبات الشباب بتغيير ظروفهم، خاصة أن الرئيس أوباما كان شعاره فى حملته الانتخابية "نعم نستطيع"، والغريب أن هيلارى كلينتون كانت تتبنى فكرة عمل انتقال تدريجى، فـ"مبارك" كان مع السلام، وضد الجماعات الإسلامية، وكان حليفًا لوقت طويل، وبعد ذلك كان الأمريكان يريدون بديلا قادرا على استيعاب الجماعات الإرهابية، وكانت الجماعة جاهزة ولكن لم يكونوا أقوياء على الأرض، وبمجرد ظهور قوتهم، بدأوا فى التفكير للسيطرة على البرلمان والوصول إلى الرئاسة.
وأكد محمد الباز أن الأزمة التى تعيشها مصر مع الإخوان تعود إلى الستينيات، فلا يوجد تدوين لوجهات النظر المختلفة مع الإخوان، فالجماعة منذ خرج أفرادها من السجون، صاغوا كتابات كاذبة، وبها تلفيق كبير جدًا، وكان منطق الإخوان فيها خلق حالة من المظلومية، حتى أن المهندس أبو العلا ماضى، كتب مقالاً فى "العربى" قبل أحداث يناير، يرد على مقولة "بيننا وبينكم الجنائز" وهى التى يستشهد بها الإخوان بحجم جنازتهم فى مقابل جنازات السلطة، ورأى أبو العلا ماضى أنه إذا طبق هذا على جنازة جمال عبد الناصر فإنها ستفوز لأنها كانت ضخمة بالفعل، فتحدث إليه "يوسف ندى" غاضبًا، وعاتبه، وحين استشهد بكتاب زينب الغزالى أكد له "يوسف" أنه من كتب هذا الكتاب من أجل صناعة إثارة.
والآن وبعد أحداث رابعة هناك حالة مماثلة من الإخوان إنهم يسعون طوال الوقت لتسجيل حالة من المظلومية، وأنا منذ أول لحظة ضد الإخوان، ولم تزل قدمى لحظة، وأتذكر وأنا فى جريدة الفجر، وكنت أتحدث مع الأستاذ عادل حمودة، وحينها كنا نثق فى بقاء الإخوان أكثر من ثقتهم فى أنفسهم، وقولت حينها إننا نواجه أكبر معركة فى تاريخنا مع الإخوان، وحينها كتبت مقال "الفاشى فى القصر الرئاسى" قبل أداء اليمين.
وعن الصرع الذى أصاب الجماعة بعد وصولهم للسلطة أفسره بأن شخصا ظل جائعا لمدة 80 عاما، وبعدما وُضع أمامه أشهى الطعام، ومد يده نزعناه من أمامه بينما كان يستعد لتناوله، فحدثت له حالة صرع، وبالمناسبة ولأننا لا ننظر للأمور بتعمق أكثر، فحتى الآن لم تخرج دراسة واحدة عن الأثر الاجتماعى فى فترة وجود الإخوان، فمثلاً قيادات الإخوان بعد وصولهم للسلطة تزوجوا من فتيات صغار، حتى أن مكتب الإرشاد أصبح متفرغًا لحل مشاكل قيادات الجماعة مع زوجاتهم القدامى، فالإخوان أول ما تنعموا ووصلوا للسلطة اعتبروها مكافأة، وبدأوا فى حصد المكاسب، وهذا ما ظهر فى حالة الأكل الدائمة والمستمرة لمحمد مرسى فى القصر الرئاسي، وسنة حكم الإخوان لمصر غرائبية، تحتاج أديبًا من أمريكا اللاتينية يكتب رواية تنتمى لتيار الواقعية السحرية ليصف ما حدث.
وأنا أدعو من هنا من "اليوم السابع" لمبادرة بأن يقوم كل الصحفيين والإعلاميين والكتاب الذين تعاملوا مع الإخوان واشتركوا فى 30 يونيو، بأن ينشروا تجاربهم وتنشر فى الجرائد فى الكتب، فهى جزء من الذاكرة، وجزء من التاريخ.
وكتاب "رائحة الخيانة" هو كتاب للتوثيق والتاريخ وليس للسياسة، بمعنى أن معظم وسائل الإخوان استعملت الرسائل بشكل سياسى، لكن الكتاب محاولة لوضع تلك الرسائل فى سياقها، نعم نحن نعلم أن هناك مؤامرة بين الإخوان وأمريكا منذ زمن بعيد، لكن هذه المؤامرة تحولت بداية من يناير، من وقت الرسائل الأولى.
وعندما تضع كل الرسائل أمامك تجد الإدانة الكاملة لجماعة الإخوان، بل وتؤكد أن المجلس العسكرى قام بمهمة تاريخية للحفاظ على استقرار البلد، وقد لعب المجلس العسكرى سياسة على أرضية مضطربة، وعندما كانوا يجتمعون بمحمد مرسى كانت المفاجأة أن "مرسى" كتب تقريرًا بوقائع الاجتماع وسلمه للخارجية الأمريكية، وهنا نحن تتحدث عن جاسوس عصامى تعب على نفسه حتى أصبح جاسوسا محترفا، فخلال تلك الفترة كان الرجل متطوعا حتى يثبت كفاءته كجاسوس.
وعن دور بعض الأسماء التى وردت فى الكتاب، قال محمد الباز، إن سعد الدين إبراهيم ارتكب جرما فى حق مصر بتقديم الإخوان وقطاعات من السلفيين، ولو ظل يتوضأ طوال حياته من ماء زمزم لن يتطهر من هذا الجرم حتى يوم القيامة.
أما محمد البرادعى فقدم نفسه، وطلب أن يكون رئيسا للوزراء، وذلك قبل تولى الإخوان، فالبرادعى مثله مثل الإخوان، فبعد أن انتهى من عمله فى الخارج عاد ليطلب مكافأة نهاية الخدمة وهو حكم مصر.
وللعلم فإن المشير طنطاوى لم يكن يثق فيه على الإطلاق، حتى أنه عرض عليه أن يتولى رئاسة المجلس الاستشارى على أن يكون الجنزورى رئيسًا للوزراء لكنه رفض بشدة، وأصر أن يكون رئيسا للحكومة وبصلاحيات كاملة وبدون تدخل، فأنت أمام رجل طامع فى السلطة منذ اللحظة الأولى.
والمذيع أحمد منصور، لدى معه واقعة، يوم 28 يناير، وكنا يومها فرحين بالثورة، ووقتها أذاعت قناة الجزيرة تقريرًا بأن المذيع أحمد منصور تم اختطافه قسريًا، لكن الغريب أننى وبينما أتوجه من كوبرى أكتوبر إلى منطقة وسط البلد وجدت أحمد منصور فى مدخل إحدى العمارات، فأنا ببراءة شديدة أوضحت له ما تقوله الجزيرة، وأنه من الضرورى أن نبلغهم بأنه بخير، لكنه قالى "سيبهم".
أما عمرو موسى فهو من أهم السياسيين الذين جاءوا فى تاريخ مصر، لكنه أيضًا مثل "سيزيف" في الحياة السياسية فى مصر، فهو وصل إلى قمة النجومية السياسية فى عهد مبارك، وراح بعدها الجامعة العربية، وبعدها جاءت فترة الثورة، ومن بعدها الانتخابات الرئاسية، وكان هناك اعتقاد بأن الإنقاذ سيتم من خلال شخص يكون من داخل النظام يعبر مرحلة التغيير، وفى هذه الرسائل، الإخوان قالوا إن عمرو موسى فى حالة وصوله إلى حكم مصر، لن يكون مزعجا للإخوان، وأنهم يستطيعون التعامل معه بوصفه عضوا سابقا فى جماعة الإخوان.
وتابع "الباز" أن الإخوان منذ ظهروهم عام 1928، ليس لديهم فقيه واحد، وليس لديهم علماء فى الدين، بعيدًا عن يوسف القرضاوى لأنه ترعرع فى ظل النظام القديم، رغم أنك تتحدث عن جماعة دعوية، لكنهم استخدموا الطريقة الناعمة التى يمثلها "عمر التلمسانى" أخطر الكوادر فى تاريخ الجماعة، فهو راقص التانجو، وقد كان سببًا فى دخول عدد من أعضاء الجماعة الإسلامية إلى الجماعة، كما أن اختراق النقابات، فكان يتبنى فكرة عدم الصدام، ومن هنا بدأت تتغير الخريطة الجينية والذهنية لمصر، وهو إظهار أن الإخوان "لطاف" وأنهم "ناس بتوع ربنا".
لذلك فإن الخسارة الكبرى التى خسرها الإخوان فى 30 يونيو أنهم خرجوا من الضمير المصرى، خاصة بعد تغيير موقفهم بعد وصولهم للسلطة، واكتشف المصريون كذبهم.
والخطر الذى واجهنا بالفعل هو محاولة أخونة العقل وليس المؤسسات، وهو ما يجب تطهيره، وأخونة العقل هى الأزمة الحقيقة، ولذلك نقول إن الحرب فكرية، وأتخوف من أن يجد هؤلاء ثغرة للدخول إلى الوجدان المصرى مرة ثانية، وذلك لأن المصريين فى النهاية "شعب بتاع ربنا".
وعن حالة التخبط فى الإدارة الأمريكية فى نهاية حكم مرسى، قال محمد الباز: الأمريكان لديهم دائما اضطراب فى تشكيل الموقف، لقد كان الإخوان هم مصدر المعلومات للأمريكان، ولم يكن الإخوان يتوقعون أن يحدث شىء فى 30 يونيو، ومرسى كان مصرًا أن من نزل إلى الشارع عدد محدود من الناس، وعندما سأل الناس عصام العريان ماذا بعد 30 يونيو رد ساخرًا "1يوليو".
وما حدث يوم 3 يوليو كان مفاجئًا للإدارة الأمريكية، فخريطة الطريق المصرية لم يتم أخذ رأى خارجى فيها، وأحب أن أقول إن الإخوان سقطوا بالفعل بعد مؤتمر سوريا والمسمى "نصرة سوريا" والذى كان فى 15 يونيو، من بعد هذا اليوم صار الأمر إما الإخوان أو الشعب المصرى، فقد أغلق باب التوبة أمام الإخوان المسلمين،ـ بالفعل مثلما أغلق باب الرحمة أما الشيطان.
وأريد القول إن أكثر الناس تفاؤلاً بانتهاء الإخوان لم يكن يتخيلون أن تظل الجماعة سنة واحدة، وشهادة للتاريخ فالوحيد الذى قالها لى هو الدكتور مصطفى الفقى، الذى أكد لى أن الإخوان سوف يخرجون بعد عام واحد لأنهم "ظلطوا" مصر ولم يهضموها لذا ستظل "واقفة" فى معدتهم، لكن كثيرون لم يتخيلوا ذلك حتى أن البعض أطلق لحاهم.
وأريد القول إن الإخوان ليسوا مصريين، حتى أن البعض يرى أن الإخوان فشلوا فى حكم مصر لأنهم "لزجين" يختلفون عن المصريين بطبيعتهم، فلهم "جيتو" خاص بهم.
وعن أهم وثيقة فى الكتاب، قال "الباز": أهم وثيقة تلك التى طلب فيها محمد مرسى أن تتحول معونة الأمريكان إلى الجهات المدنية بدلاً من الجيش فهى تدل بشكل قاطع على خيانته.
وأخطر شخصية تحدث عنها الكتاب، كان محمد البرادعى الذى سعى لاقتناص الفرص، وأكثر شخصية ظلمت فى تلك الفترة، هو المشير طنطاوى فقد كان يتعامل بوطنية واستيعاب لم يفهمه الناس فى ذلك الوقت، وقد طالبت بتكريم شعبى لهذا الرجل، فقد صبر بحكمة جعلتنا نمر من أزمات كثيرة.
أما أخطر فكرة فى الكتاب، فهى أن الإخوان المسلمين كانوا يسعون إلى تحويل مصر إلى ولاية أمريكية تمامًا، وأنهم كانوا يقدمون أنفسهم خدما للأمريكان بكل سهولة، وأحب التركيز على دور مرسى كجاسوس بصورة مبكرة منذ التسعينيات، فقد كانت له علاقة مع الأمريكان، وكان ينقل ذلك بشكل واضح جدا، فالإخوان كانوا "صغيرين جدا" لا يعرفون معنى الدولة، فمحمد مرسى عاش مخبرًا وأصبح رئيس دولة مخبرًا ومات مخبرًا.
وإجابة عن سؤال: هل يأتى يوم تلفظ فيه مصر السلفيين مثلما لفظت الإخوان وهل يمكن أن تعود الجماعة للمشهد السياسى فى مصر مرة أخرى؟ أجاب بأن الإخوان خانوا كل حلفائهم بما فيهم السلفيون، وللمفارقة السياسية مثلما كان مبارك يصدر الإخوان لأمريكا كفزاعة سياسية، الإخوان صدروا السلفيين لهم على أنهم فزاعة سياسية أيضًا، أما مسألة لفظ السلفيين أعتقد أنه من الصعب لفظهم، لأن السلفيين أكثر ذكاء من الإخوان بمراحل، وأكثر مرونة من الإخوان سياسيا.
أما فيما يخص مسألة عودة الإخوان، فأنا جزء من دعمى لثورة 30 يونيو ومشروع الرئيس عبد الفتاح السيسى، هو أننى أخشى أن يحدث ثغرة فنعيدهم مرة أخرى، وذلك لأننا ليس كمثل دول العالم نسير فى خط مستقيم، بل نسير فى شكل دائرى، وذلك ليست مشكلة السلطة، لكنها مشكلة الأفكار، ولذلك أقول إننا نحتاج جيلاً ينشأ دون "عكارة" الإخوان ولم يتلوث بأفكارهم، فمنذ أن وصل الرئيس عبد الفتاح السيسى وحتى الآن، خرج جيل لم تتعكر عينه برؤية الإخوان ولم يتعرض لأفكارهم، وبالتالى سيكون هناك جيل سليم، وبالمناسبة مصر لم يمر عليها رئيس جاد فى التعامل مع الإخوان المسلمين مثل الرئيس عبد الفتاح السيسى، بما فيهم الرئيس جمال عبد الناصر.
وتحدث "الباز" عن علاقة المصريين مع الله، قائلاً: يكفى أن ننظر للحوار الذى يديره المصريون مع الله طوال الوقت، ففى كل مكان الدين نزل من السماء إلى الأرض، لكن فى مصر نرى دائما علاقة تبادلية، هنا ثلاثية مع الله لا توجد إلا فى مصر هى "العشم" و"المعاتبة" وحتى "الغضب".