مع اقتراب دخول جو بايدن للبيت الأبيض، تبدو السياسات الخارجية التي تتبناها واشنطن في السنوات القادمة، محلا للتساؤل، فى ظل اختلافات جذرية شهدتها التوجهات الأمريكية خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، بينما يبقى التساؤل الأهم في منطقتنا حول ما إذا كان التغيير المرتقب في البوصلة الأمريكية سوف يمتد إلى الشرق الأوسط، أم أن هناك أولويات أخرى، ربما تكون على مائدة الدبلوماسية الأمريكية، على الأقل في أشهرها، إن لم يكن في سنواتها الأولى.
ولعل محاولات البعض للمقاربة بين إدارة بايدن، وحقبة الرئيس السابق باراك أوباما، على اعتبار أن الأول كان نائبا للثانى طيلة 8 سنوات، كانت مجموع سنوات رئاسته للولايات المتحدة، تدفع البعض إلى القلق حول السياسات الأمريكية المرتقبة، في المنطقة، خاصة وأن الشرق الأوسط كان أولوية قصوى للرئيس السابق، وكانت محل اهتمامه، منذ اليوم الأول لولايته، وهو ما بدا في حرصه على زيارة تركيا في أول جولة خارجية له بعد دخوله البيت الأبيض في أبريل 2009، بالإضافة إلى خطابه الشهير للعالم الإسلامي، من تحت قبة جامعة القاهرة، في يونيو من نفس العام.
إلا أن مثل هذه المقاربة لا تبدو أكثر من هراء، من وجهة نظرى، خاصة مع التغيرات الكبيرة، سواء التي شهدها العالم، أو شهدتها المنطقة، فعندما تولى أوباما السلطة كانت أمريكا بكامل سلطانها، باعتبارها القوى الدولية الوحيدة المهيمنة على العالم، بينما كانت القوى الرئيسية في الشرق الأوسط، تعانى من قدرا كبيرا من الترهل، مما فتح الباب أمام الرئيس ذو الأصول الإفريقية للبحث عن بدائل، تبدو أكثر تماسكا وجاذبية للعالم الإسلامي في ذلك الوقت، على غرار تركيا، في الوقت الذى يمكنها تنفيذ الأجندة الأمريكية التي قامت في الأساس على إعادة تقسيم المنطقة، عبر ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد"، وهو ما شرعت فيه أمريكا وشريكها التركى عبر "الربيع العربى".
أما المرحلة الراهنة التي يتولى فيها بايدن زمام الأمور في واشنطن، لم تعد أمريكا مهيمنة على العالم، في ظل صعود قوى جديدة، أصبحت تزاحمها على قيادة العالم في الوقت الذى يعانى فيه الداخل الأمريكي من انقسام غير مسبوق، بينما لم تعد الأمور كانت عليه في الشرق الأوسط، في ظل انهيار الدور التركى، واستعادة القوى التقليدية في المنطقة، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية، لمكانتها الرائدة، سواء من خلال الإصلاحات التي حققتها، أو من خلال التحالف القوى والمؤثر فيما بينهما، والذى تجلى في أبهى صوره في العديد من المواقف المشتركة التي جمعت بينهما وبين العديد من دول الخليج الأخرى، كالإمارات والبحرين، خاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب.
التحالف القوى بين القوى العربية الرئيسية ساهم في تقويض تركيا، التي كانت ذراع أوباما الأيمن، بالإضافة إلى أذرعه الإرهابية، التي لعبت الدور الرئيسى لتحقيق مخطط التقسيم، ليس فقط لنجاحه في القضاء على الميليشيات الإرهابية، إنما أيضا عبر مواقفه السياسية الموحدة، والتي قامت في الأساس على تنويع التحالفات الدولية، وعدم الاعتماد على الحليف الأمريكي بمفرده، وتوسيع نطاق تحالفاتهم الدولية ليشمل العديد من القوى الصاعدة والمؤثرة في العالم، وعلى رأسها الصين وروسيا، وكذلك دول أوروبا الغربية، في انعكاس صحيح لإدراكهم لأخطاء الماضى.
وهنا يمكننا القول بأن "العودة للوراء" بمثابة الخيار المستحيل لبايدن، والذى سيضع أولويات إنهاء الانقسام في الداخل الأمريكي، واستعادة العلاقة مع الحلفاء في أوروبا على رأس أجندته الدولية، وهو الأمر الذى يبدو واضحا في اختياراته لأعضاء إدارته من المسئولين عن السياسة الخارجية الأمريكية، والمعروفين بتوجهاتهم لأوروبا الغربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة