وما زالت مستجدات العصر الحديث ومفرداته تفاجئنا يوماً تلو الآخر بكل ما هو شاذ وخارج عن المألوف ضاربة بكل القيم والأعراف عرض الحائط، موجهة أنظارها نحو هدف واحد بات إحدى طرق الثراء السريع الذى لا يتطلب أى جهد، وهو البحث عن التريند الذى تتبعه شهرة واسعة وملايين المتابعين من رواد وسائل التواصل، ثم المبالغ الطائلة التى تتزايد كلما تزايد عدد الفولورز، هؤلاء الذين يتضاعفون فى بضعة ساعات كلما كانت المادة المطروحة شاذة مستغربة .
فالموجة عالية والهوجة مغرية لذوى الأنفس الهشة، وبات التظاهر والتفاخر بين الناس هو الهدف المنشود حتى وإن كان وهماً على وهم بداخل عالم كبير من الوهم مسمى بالتواصل الاجتماعى قد اختلط به الحابل بالنابل والخبيث بالطيب والكذب بالصدق.
إذ تحولت معايير الكفاءة ومقومات النجاح لدى الغالبية العظمى من المصريين وعلى رأسهم بالطبع طبقة المشاهير أو أنصاف المشاهير بأى مجال إلى مجرد نسب مشاهدة عالية وتريندات على مواقع التواصل المختلفة.
فكما تابعنا بالأشهر الماضية عدداً من حالات استغلال السوشيال ميديا تنوعت واختلفت فى أشكالها، لكنها تشابهت واتفقت بمضمونها الذى يعد أهم شروط نجاحه واكتساحه استثارة مشاعر المشاهدين سواء كانت مشاعر الشفقة أو الشهوة أو السخرية أو حتى الاستفزاز الذى يقود للغضب .
وفى هذه الحالة ستفتح أبواب المتابعين والمشاركين على مصراعيها فتصعد هذه المادة الرديئة لتعتلى عرش التريند وما يحققه من شهرة يتبعها ثراء سريع .
إذ بات هذا الطريق السريع للشهرة حلم وطموح عدد لا بأس به من هؤلاء الذين لا تمنعهم موانع إنسانية أو أخلاقية أو دينية من استغلال أى شىء وكل شىء .
فلم يمر وقت طويل على قصة الأبوين اللذان كانا يستغلان ابنتهما الرضيعة من خلال سلسلة يومية من الفيديوهات القصيرة وطرح حياتهما مع الطفلة ساعة بساعة لجمهور السوشيال ميديا، وما حققاه من شهرة واسعة ومكاسب مادية طائلة وتريندات غير منقطعة، حتى وإن كان على حساب صحة طفلتهم النفسية التى لم يعيراها أى نوع من أنواع الاهتمام، إلى أن تم القبض عليهما وما زالت القضية مستمرة .
وبما أنها أصبحت مهنة من لا مهنة له ولا حيثية، فقد خرج علينا الطفل محمد الذى أغرقت فيديوهاته السوشيال ميديا لطرح قصة حبه مع بسنت وغريمه يس.
وبعد اكتشاف حقيقة الأمر أن والده المطرب الشعبى الذى ربما تقطعت به السبل لتقفز بذهنه هذه السبوبة الرائجة التى سيجنى من ورائها ما لم يجنه من الغناء بالأفراح والحفلات .
قد انتبه المجلس القومى للأمومة والطفولة لخطورة الأمر وبعض من استاءوا من تكرار عملية استغلال الآباء والأمهات لأبنائهم وطرحهم كمادة لتسلية رواد السوشيال ميديا سعياً وراء الشهرة والأموال وخلافه .
الغريب بالأمر :
أن التريند الذى بات هدفاً فى حد ذاته للكثيرين بغض النظر عن محتواه وقيمته وأهميته أصبح كارثة تهدد المجتمع وتضربه فى أعز ما يملك، فى أخلاقياته وقيمه وتقاليده وإنسانيته .
فإن طرحنا لرواد التواصل بكل منصاته فيديوهين :
أحدهما لعالم متخصص يطرح اكتشافاً علمياً مهماً أو يشرح حقيقة علمية ما، والآخر لفتاة تيك توك ذات جاذبية وإغراء وخلافه، سنصطدم بواقع مخجل مفاده أن المادة القيمة قد خفت موازينها مقابل المادة الرديئة التى بدون شك ثقلت موازينها وزادت ملايين متابعيها.
نهاية
فقد أصبحنا فى زمن خفت به موازين القيمة والتميز وثقلت موازين الركاكة والمنظرة، وتأذت أعين وتلوثت آذان ولِقت مدارك وتراجعت أذواق.
فما زالت موجات الأى كلام تجتاح المجتمع وتطيح بقيمه لتنتبذ ومن تمسك بها جانباً خفيا .
اللهم اكفنا شر الباحثين عن التريندات الساخنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة