"لا يعتبر الجهل بالقانون عذراً"، هذا مبدأ قانوني ثابت يبطل الأعذار التي يسوقها المدانون، بارتكاب ممارسات وأفعال مجرمة ليكون مصيرهم خلف القضبان أو دفع غرامات مالية أو تنفيذ إحدى العقوبات المندرجة في إطار الخدمة المجتمعية، أو غيرها من العقوبات التي يفرضها القانون.
ومن الثوابت القانونية والعملية أنه لا يجوز لأحد الاعتذار بالجهل بأحكام القانون الجنائي حتى لا يفلت المجرمون من العقاب بادعاء عدم العلم، ولهذا كان العلم بأحكام القانون الجنائي مفترض من واقع نشر القانون في الجريدة الرسمية، وذلك بخلاف الجهل بالواقع إذ من شأنه تخلف ركن العلم اللازم لقيام الجريمة.
متي يجوز الاعتذار بالجهل بأحكام القانون الجنائي؟
وفى الحقيقة نظراً لصرامة هذه القاعدة عمد القضاء إلى التخفيف من حدتها، فأجاز الاعتذار بالجهل متى انصب على قاعدة قانونية غير جنائية تدخل عنصرا في الجريمة، معتبرا ذلك جهلا مختلطا ما بين الواقع والقانون، يعد برمته جهلا بالواقع ينفي القصد الجنائي متى أثبت المتهم أنه تقصى وتحرى أو لم يكن في مقدوره العلم ولقد أيد الفقه القضاء في ذلك نظرا لسلامة أساسه.
هل الجهل بأي قانون آخر عدا قانون العقوبات مقبول ويجعل الواقعة غير مؤثمة؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية قانونية في غاية الأهمية تهم قطاعا عريضا وبالأخص ملايين المواطنين، تتمثل في الإجابة على السؤال: هل الجهل بأي قانون آخر عدا قانون العقوبات مقبول ويجعل الواقعة غير مؤثمة؟ في الوقت الذي يقع فيه العديد من المواطنين لأزمة أنهم لا يعلمون أن هذا الأمر أصبح جُرماَ يعاقب عليه القانون، أو أن الجريمة أصبحت عقوبتها أشد، يأتي ذلك في الوقت الذي تصدر فيه حزمة من التشريعات ويتم التصديق عليها – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض عماد الوزير.
الجهل بأي قانون أخر عدا قانون العقوبات مقبول ويجعل الواقعة غير مؤثمة
في البداية – فإن الجهل بأي قانون آخر عدا قانون العقوبات مقبول ويجعل الواقعة غير مؤثمة، حيث إن الجهل بقانون غير عقابي ينفي القصد الجنائي، وتنتفي مسئوليته الجنائية إذا كان الفعل معاقب عليه بالوصف العمدي فقط، أما إذا كان معاقبا على الفعل بالوصف غير العمدي "بأحد صور الخطأ غير العمدي الأربعة"، فإنه في حالة انتفاء القصد الجنائي، يعاقب الفاعل عن الجريمة بالوصف غير العمدي – وفقا لـ"الوزير".
ومن المقرر أن الجهل بأحكام أو قواعد قانون آخر غير قانون العقوبات أو الخطأ فيه - وهو في خصوص الدعوى - خطأ في فهم قواعد التنفيذ المدنية - يجعل الفعل المرتكب غير مؤثم – ففي حالة التفات الأحكام عن الرد على ما تمسك به المتهم أثناء محاكمته من عدم توافر القصد الجنائي لديه لأنه – على سبيل المثال لا الحصر - حين تصرف في المحجوزات كان يعتقد زوال الحجز بعد إلغاء أمر الأداء الذي وقع الحجز نفاذاً له - وهو دفاع جوهري - فإنه يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه – الكلام لـ"الوزير".
رأى محكمة النقض في الأزمة
وفى هذا الشأن – سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية منذ 60 سنة في الطعن المقيد برقم 1467 لسنة 29 القضائية جلسة 15 من مارس سنة 1960 - حيث إن مما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه شابه القصور في البيان، ذلك أن الطاعن تمسك بعدم توافر القصد الجنائي لديه لأنه حين تصرف في المحجوزات كان يعتقد زوال الحجز بعد إلغاء أمر الأداء الذي وقع الحجز نفاذاً له، ومن ثم فإن تصرفه هذا ينطوي على خطأ في الوقائع وجهل بقواعد التنفيذ المدنية مما تنتفي معه مسئوليته الجنائية، ومع ذلك فإن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع برد مما يشوبه بالقصور ويستوجب نقضه.
وقالت في حيثيات الحكم إن الحكم المطعون فيه أورد واقعة الدعوى بما مؤداه: "إن المجني عليها أوقعت في 26 من يونيه سنة 1956 حجزاً تنفيذياً على منقولات للطاعن وفاءا ً لمبلغ 340 مليماً و82 جنيهاً استصدرت بها أمر أداء ضده، فاستشكل الطاعن في التنفيذ وقضي برفض إشكاله فرفع معارضة في أمر الأداء حكم فيها بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء أمر الأداء، واستأنفت المجني عليها وقضي بقبول استئنافها شكلاً، وإلغاء الحكم المستأنف وتأييد أمر الأداء، فأعادت المجني عليها إجراءات اللصق والنشر وحدد لبيع المحجوزات يوم 26 من يناير سنة 1957 وفي اليوم المذكور توجه المحضر للبيع وخاطب الطاعن بوصفه حارساً، فأجابه بأنه تصرف في المحجوزات بالبيع استناداً إلى الحكم الصادر له في المعارضة في أمر الأداء والقاضي بإلغاء هذا الأمر".
لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن الطاعن ضمن مذكرته التي صرحت له المحكمة الاستئنافية بتقديمها الدفاع الذي أورده بوجه الطعن، وكان من المقرر أن الجهل بأحكام أو قواعد قانون آخر غير قانون العقوبات أو الخطأ فيه - وهو في خصوص هذه الدعوى خطأ في فهم قواعد التنفيذ المدنية - يجعل الفعل المرتكب غير مؤثم - لما كان ما تقدم - فإن الحكم إذ التفت عن الرد على هذا الدفاع الجوهري يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه.