واصل المسلمون بناء دولتهم فى المدينة المنورة، وخاضوا في السنة الرابعة للهجرة عددا من المعارك والغزوات، منها غزوة الرجيع، فما الذى يقوله التراث الإسلامي عنها؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "غزوة الرجيع":
قال الواقدى: وكانت فى صفر، يعنى سنة أربع بعثهم رسول الله ﷺ إلى أهل مكة ليجيزوه.
قال: والرجيع على ثمانية أميال من عسفان.
قال البخارى: حدثنى إبراهيم بن موسى: أخبرنا هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهرى، عن عمرو بن أبى سفيان الثقفى، عن أبى هريرة قال:
بعث النبى ﷺ سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة، ذكروا لحى من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رأم، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم.
فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلا.
فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل فى ذمة كافر، اللهم أخبر عنا رسولك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما فى سبعة نفر بالنبل، وبقى خبيب وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها.
فقال الرجل الثالث الذى معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فجروه وعالجوه على أن يصحبهم، فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة بعد بدر، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله، استعار موسى من بعض بنات الحارث يستحدُّ بها فأعارته.
قالت: فغفلت عن صبى لى فدرج إليه حتى أتاه، فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك منى وفى يده الموسى فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله.
وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ من ثمره، وإنه لموثق فى الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال: دعونى أصلى ركعتين، ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أن مابى جزع من الموت لزدت. فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو.
قال: ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدَّبْر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان عن عمرو، سمع جابر بن عبد الله يقول: الذى قتل خبيبا هو أبو سروعة. قلت: واسمه عقبة بن الحارث، وقد أسلم بعد ذلك، وله حديث فى الرضاع، وقد قيل: إن أبا سروعة وعقبة أخوان، فالله أعلم.
هكذا ساق البخارى فى كتاب (المغازي) من صحيحه قصة الرجيع، ورواه أيضا فى التوحيد، وفى الجهاد من طرق: عن الزهري، عن عمرو بن أبى سفيان، وأسد بن حارثة الثقفى حليف بنى زهرة، ومنهم من يقول: عمر بن أبى سفيان والمشهور عمرو.
وفى لفظ للبخاري: بعث رسول الله ﷺ عشرة رهط سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبى الأقلح وساق بنحوه.
وقد خالفه محمد بن إسحاق، وموسى بن عقبة، وعروة بن الزبير، فى بعض ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة