نجح الفنان القدير محمد صبحى عبر مسيرته الفنية الممتدة طوال خمسين عاما أن يترك فى قلب كل مصرى بصفة خاصة وعربى بصفة عامة المحبة والاحترام والتقدير، حيث تميزت أعماله ولقاءاته الفنية بمناقشة قضايا شائكة تمس الجميع، وساعد بشكل مباشر فى توعية ورفع مستوى الثقافة والمعرفة لدى أجيال وأجيال، ومن سموه ومحبته ورفعته أراد ألا يحتكر صنعته الناجحة لنفسه وقرر تكريم كل من ساهم فى نجاح مسيرته الفنية العريقة، وهى سابقة أولى من نوعها فى أن يكرم فنانا ممن ساندوه وساعدوه وشاركوا فى نجاحه.
لكن ما لم يتوقعه محبو الفنان القدير محمد صبحى هو ما تعرض له عقب الاحتفالية من عدد قليل من رواد السوشيال ميديا بعد أن أهدى تمثالا عليه صورته كجائزة للفنانين، حيث تركوا الرسالة الإنسانية فى التكريم وتحدثوا عن التمثال الذى يحمل صورة الفنان القدير محمد صبحى، وهو من تصميم النحات المعروف جمال السجينى فى عام 1976م، قائلين: إن ذلك يدل على "نرجسية" محمد صبحى.
ولهؤلاء ولغيرهم نقول: قبل أن تنتقد شيئًا لابد أن تدرس الأمر المنتقد جيدًا حتى لا تصبح فريسة للعنصرية أو التنمر على خلق الله، كان يجب عليك أن تسأل نفسك ما معنى النرجسية أولا؟ وهى بكل بساطة حب النفس أو الأنانية، وهو اضطراب فى الشخصية يتميز صاحبها بالغرور، والتعالى، والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين، فهل ينطبق ذلك على فنان قدير مثل محمد صبحى؟ بالطبع لا، لأنه بكل بساطة أيضا نظم الاحتفالية ليس لتسليط الضوء على نفسه بل لتكريم من ساندوه وأخذوا بيده حتى يحصل على احترام المشاهدين، كما أنه خلال الاحتفالية لم يتحدث عن نفسه قط بل استعرض تاريخ زملائه وأصدقائه الفنانين المكرمين.
وعلينا قبل النقد أن نتساءل هل يحتاج الفنان محمد صبحى أن يعطى تمثالا يحمل صورته لكل فنان مكرم؟ الفنان محمد صبحى بطبيعة الحال موجود ومرحبً به داخل كل بيت عربى عبر شاشة التليفزيون بأعماله الفنية الكثيرة التى تركت علامة فارقة فى المسرح والتليفزيون والسينما، كما أنه غير متعطش للشهرة، وبالتالى فإن ما قام به من إهداء تمثاله لزملائه الفنانين، يدل على عدة أمور إنسانية نذكر منها تخليده للفنان والنحات صانع التمثال جمال السجينى الذى نحت العديد من التماثيل لكبار الشخصيات منهم المفكر الكبير طه حسين والعقاد والسيدة أم كلثوم، كما أراد الفنان الكبير محمد صبحى التعبير عن محبته وامتنانه لزملائه بأنه يقدم نفسه لهم تعبيرًا عما قدموه له للوصول إلى قلب الجماهير، وهذا التمثال هو تعبير رمزى عن الامتنان فكيف يكون صاحب تلك الشخصية نرجسيًا؟!.
الفنان محمد صبحى قدم لنا العديد من الأعمال الفنية التى بلغت 42 عملا مسرحيًا و22 فيلمًا سينمائيًا و25 مسلسلاً تليفزيونيًا، التى حملت جميعها العديد من الرسائل والقضايا الشائكة، وإذا تحدثنا عن كل عمل من أعماله فسوف نحتاج إلى سنوات عديدة حتى ننتهى منها، لكن دعونى أتحدث عن عمل واحد فقط من أعماله الفنية الثرية مثل "يوميات ونيس" الذى لا يعد مجرد مسلسل عادى يقدم على الشاشة العربية، بل هو تراث متميز وثروة قومية لكل المجتمعات، فنجد فى كل حرف وجملة ومشهد وحلقة رسائل عديدة وكنوز ثمينة ساعدت وتساعد على بناء مجتمع صحى خال من شوائب الفكر المتطرف الذى يقود أولادنا إلى طريق الظلام، فذلك العمل شارك كل أب وأم فى تربية أبنائهم بالطريقة المثالية الصحيحة، فنجده علمنا "الأخلاق الحميدة، واحترام القانون، وقبول الآخر، وعدم العنصرية، والتسامح، واحترام الكبير، وبر الوالدين، والانتماء للوطن، وحب العمل، والقضاء على الفساد، وعدم الاستسلام للفشل، والمشاركة فى بناء المجتمع، ونشر الثقافة، ووفاء الأصدقاء، وكيف تصبح مسئولا أمينًا، ومواكبة العصر الحديث بالطريقة الصالحة للمجتمع"، وغير ذلك الكثير والكثير، فهل كل هذا لا يعطى الحق للفنان الكبير محمد صبحى أن يعطى تمثاله تكريمًا لمن ساهم فى مسيرته الفنية؟ أعتقد أنه يستحق أن نصنع له تمثالا لوضعه فى ميدان عام تقديرًا له ولحسن صنيعه هو بنا ولأجيال كثيرة قادمة، فتحية لكبيرنا الذى علمنا التربية الفنان الكبير والقدير محمد صبحى.