ينشغل علماء الاجتماع الرياضى بالبحث عن تفسير لزيادة التعصب والاستقطاب فى الكرة، بالرغم من اتساع اللعبة وتعدد المسابقات، وارتفاع أسعار اللاعبين.
فى مصر أيضا يحدث أن تتضاعف مظاهر التعصب، خاصة على مواقع التواصل والقنوات الفضائية، ويصل الأمر إلى استعمال أكثر الألفاظ والطرق انحطاطا، ويرى الخبراء أن التعصب هو انعكاس لتحولات فى المجتمع نفسه، الذى لم يعد ببساطة الأزمنة الماضية، فقط كانت أدوات التواصل كاشفة، بينما المناقشات والصدامات كانت تدور فى الشوارع والمقاهى وتنتهى بانتهاء الجلسة، والآن انتقلت إلى مواقع التواصل والقنوات العامة والخاصة على «يوتيوب»، والتى يتصور أصحابها أنهم بعيدون عن المحاسبة والمسؤولية.
السباقات بين الفريقين الأكبر الأهلى والزمالك تطورت خلال العقد الأخير، وتغيرت الصيغ والمنافسات والجدال المنحاز من كل طرف، ودائما كان هناك انحياز وتعصب، لكنه لم يصل إلى هذه الحالة من التدنى، بينما لعبة الكرة فى السابق كانت أكثر تعددا، وبالرغم من نظام الناديين فقد كان هناك تنوع يجعل هناك فرقا أخرى تفوز بالمسابقات، الدورى والكأس، المحلة والإسماعيلى والاتحاد والترسانة وغيرها كانت منافسة تضاعف من سخونة السباقات، لكن خلال عقدين اختفى كل هذا وحل مكانه تجارة اللاعبين والانتقالات والمزايدات، وارتفعت أسعار اللاعبين والنوادى واتخذ الحماس شكلا أشد تعصبا، ربما يكون مرتبطا بتحول اللعبة إلى مجال استثمار وأرباح، وليس فقط مجرد لعبة لهواة ومشجعين هواة.
احترف اللاعبون ولم يستطع الجمهور الاحتراف، لكنه أصبح جزءا من اللعبة الأهم من الكرة نفسها، لم تعد كرة القدم هذه اللعبة الشعبية البسيطة، لكنها «بيزنس» كبير يدور فى فلكه عالم كامل من المصالح والأرباح والخسائر، والجمهور تم توظيفه وحشده ليتناسب مع الشكل الجديد للعبة الأكثر شعبية، والتى تحولت إلى أداة صراع ومنافسة على الأرباح والحسابات، وتجارات العلامات والدعاية والإعلانات، الجمهور فى ظل عولمة الكرة يتنقل ويشجع فرقا عبر البحار والقارات ويتحول إلى حسابات وأموال وأرقام.
واللاعب نفسه كما يقول إدوارد جاليانو، سلعة «قصيرة العمر»، رجال الأعمال يشترونه، يبيعونه، يديرونه، وكلما نال شهرة أكبر، وكسب أموالا أكثر، يصبح «أسيرا أكثر»، ويتحول إلى فاترينة عرض لملابس أو أحذية وتيشرتات وبنطلونات، مشروبات وإكسسوارات، اللعبة أصبحت أكثر تعقيدا واتساعا، ونظرة على حجم ما تم كشفه وجرى التحقيق فيه فى الفيفا أو الاتحادات الإقليمية، نكتشف حجم ما يجرى التنافس عليه ويتم افتراسه، مئات الملايين تمثل نهرا يتقاطع مع كل الأنشطة.
وهذا الهوس المتسم بالعنف ليس بعيدا عن التحول، وحتى بعض روابط المشجعين «الألتراس» ليست بعيدة عن هذا الصراع وهذه التجارة، حيث يسود الهوس ليغذى البطولات والإنفاق الكبير، حيث يتم توظيف حماس الجمهور فى معادلات البيزنس، الذى يتغذى على التعصب والصدام بشكل يغطى على كل ما يجرى.
لم تعد اللعبة بسيطة وحيث تكون اللعبة فى أفضل حالاتها عندما تجعل اللاعب والمشجع سعيدين، التطور العالمى فى اللعبة جعل الأمر أكثر تعقيدا، فى استعراض متوحش لا يقوم من دون اكتمال أطرافه اللاعب والجمهور، لكن هناك تفاصيل أعقد من مجرد إدارات نواد، أو منتخبات، شركات وسماسرة ووكلاء ومسوقين، ربما لهذا تظهر كل حالات الفساد والتربح داخل الاتحاد الدولى والاتحادات الدولية والمحلية عبر العالم، ويصبح التعصب محفزا، والجمهور جزءا من اللعبة الأكثر تعقيدا.