كان الإمام محمد عبده واحدًا من أبرز العلماء فى التاريخ الإسلامى الحديث، وفى يوم 6 من شهر ديسمبر ديسمبر من عام 1884 ذهب الإمام إلى تونس والتقى هناك بعلماء جامع الزيتونة فى رحلة استغرقت أربعين يومًا.
ماذا نعرف عن كواليس زيارة الشيخ محمد عبده إلى "تونس"؟
زار الإمام محمد عبده، تونس، لأوّل مرّة، وأقام بها من ديسمبر 1884، ويقال إنّ محمّد السنوسى اتّصل فى إسطنبول، حسبما روى فى كتابه الرّحلة الحجازيّة بمحمّد بيرم الخامس، واتّصل فى دمشق بالأمير عبد القادر الجزائرى لينضمّ المغاربة الثلاثة إلى "العروة الوثقى" وهى جمعيّة سريّة عالميةّ معادية لأوروبا يعتقد أن ّ جمال الدين الأفغانى هو الذى أسّسها فى حيدر آباد، وأنّ لها عدّة فروع فى العالم الإسلامي، غايتها الدعاية لفكرة التضامن الإسلامى.
ويقال إنّ السنوسى، عند رجوعه إلى تونس، فى سنة 1883، نظّم نواة للعروة الوثقى من العلماء الزيتونييّن، ويروى بعضهم أن ّ الشيّخ محمدّ عبده زار تونس زورته الأولى من أجل الاتّصال بالفرع التّونسى للعروة الوثقى، وعلى الرّغم من تواتر هذه الرّواية، وتردّدها، فإنّها بحاجة إلى تعديل، كما تدلّ عليه الوثائق، فثمّة مثلا سيرتان لجمال الدّين الأفغانى قد ألقتا بظلال الشك على الرّواية حول مسائل ثلاث على الأقل: حقيقة تنظيم العروة الوثقى وطابعها العالمي، وقيام فرع تونسى لها، وسبب زيارة محمّد عبده لتونس، وتنفى السيرتان حقيقة وجود جمعيّة العروة الوثقى فيما عدا باريس، وفى جميع الأحوال لا يهمّنا هنا الجزم بوجود جمعيّة العروة الوثقى فى حيدر آباد أو فى القاهرة ما دام أمر وجودها بتونس لا شك فيه، كما تفيد السيرتان بأنّ عبده قدم إلى تونس أساسا ليطلب مساعدة لجريدة العروة الوثقى التى انقطعت عن الصدور فى باريس لصعوبات ماليّة.
هل سعى الإمام محمد عبده لـ تشكيل خلية للعروة الوثقى في تونس؟
هذا ما يؤكّده مضمون رسالة بعث بها الشيخ محمد عبده فى 24 ديسمبر 1884 من تونس إلى جمال الدّين الأفغانى فى باريس، وقد جاء فيها: "لقد التقيت هنا أثناء إقامتى بعلماء وأمراء موقّرين واستقصيت حول نشاطات عدد كبير منهم وأعلمتهم أنّ العروة الوثقى ليست فحسب اسما لصحيفة بل هى أيضا اسم منظمّة أسّسها السيّد عندما كان فى الهند، مركزها حيدر آباد ولها فروع فى أماكن أخرى ويجهل كلّ فرع وجود الفروع الأخرى، لكنّ رئيس الجمعيةّ يعلمها جميعا، إنّنا نرغب فى بعث فرع هنا، وقد قبلوا الدّخول فيه. وإنّى اليوم بصدد تنظيم الجمعيّة فى سرعة حتّى أسافر. أغلب الأعضاء من العلماء ومن بينهم الشّيخ الورتتاني، والشيخ سالم بوحاجب، وسوف أمدّك بأسماء كلّ الذين أدّوا القسم إثر إتمام الأمر إنّ شاء الله، وأرجوك ألاّ تكشف عن أسمائهم فقد أكدت لهم أنّ الأمر سرّى وأسماء الأعضاء لا يعرفها إلاّ رئيس الجمعيّة ودعاتها، أمّا موضوع المال فإنى فى يأس مطلق، فقد طرقنا كلّ باب وتجاوزنا التّلميح إلى المصارحة بالأمر أو نكاد، ولكن يبدو لى أنّ جهودى تذهب دون طائل".
