عندما نقول إن الشاعر الكبير رفعت سلام لم يمت، فهذا حق، لأن الموت فى معناه "سكون وزوال وفقد"، ورفعت سلام لم يحدث له ذلك، وعندما نقول إنه لم يتوف، فذلك حق أيضا، لأن الوفاة من معانيها "اكتمال الأمر" وهو ما لم يحدث مع رفعت سلام، لكنه رحل والرحيل فى معانيه الوصل، وبقاء الأثر.
لم يكن الشاعر الكبير رفعت سلام صديقى بالمعنى المباشر الذى يعنى أننى جلست إليه فى مقهى وتبادلنا الحديث، فأنا لم ألتقه سوى مرات قليلة، وسط مجاميع الناس واستمعت إليه فى ندوات ومحافل أدبية، ومن ذلك فهو صديقى بالمعنى الأكثر بقاء، وهو أننى فتنت به وبما يقدمه من إبداع، وتعلمت منه كيف أهتم بما أفعل.
كانت البداية عندما قرأت "إشراقات رفعت سلام" وكنت قبلها أحمل ذاكرة مشوهة عن الشعر الحديث، كانت لدينا صورة من أساتذتنا القدامى أن كتَّاب القصيدة الحديثة يريدون أن يغيروا صبغة الله فى الشعر، وأنهم يقصدون أن يأخذوا اللغة العربية إلى طاولة التشريح العلمى الجاف، لكن هذا الديوان أعاد إلىَّ مرة أخرى الثقة فى شعر من نطلق عليهم "جيل السبعينيات"، لقد قرأت فى الديوان شعرًا يدل على أن صاحبه متمكن من كل شىء، وأنه يعرف القديم لكنه يسعى لجديد، هذا الجديد "جميل، ومختلف، ودال على شخصية كاتبه" وقد فتح لى هذا الديوان بابًا لم يغلق بعد.
مرة أخرى أخذ رفعت سلام بيدى عندما قدم عبر الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة المائة كتاب، ليتها اكتملت، فقد فاجأنى بأنه لم يسع لإعادة نشر، بل سعى لترجمة جديدة مكتملة، وكانت الاستفادة الكبرى عندما أدركت أن ما قرأته من قبل من هذه الأعمال الأدبية كانت ناقصة وغير مكتملة، وتعلمت منه أن تقوم بعملك خير قيام.
رحل الشاعر الكبير رفعت سلام لكنه ترك دواوينه وترجماته، وترك الأهم وهو الجدية التى نلحظها فى كل ما قدم من عمل، وهو ما علينا أن نتعلمه، فلا استسهال فى الإبداع ولا فى تحمل المسئوليات، تلك هى القيمة الكبرى لرفعت سلام الذى سيمكث فى الأرض لأنه ينفع الناس.