فى كتاب جديد صدر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث بعنوان "حصار مراوى فى الفلبين: جذور التطرف وهشاشة الدولة" يتناول تاريخ وحاضر الجماعات الإثنية والدينية فى الفلبين، وعلاقتها بالدولة وتشكلها ومؤسساتها، والقضايا التاريخية المتراكمة عبر حقب الاستعمار، وما نتج عنها من توتر متبادل ترك تأثيره فى المجتمع والدين والسياسة.
كما يدرس الكتاب الحركات الإسلاموية وخصائصها المحلية، ومدى ارتباطها بالإسلامويين فى الشرق الأوسط، ويسلط الضوء على الاستراتيجيات المعتمدة من الحكومات الفلبينية المتعاقبة فى مكافحة الإرهاب.
يقةل الكتاب إن عدد الإثنيات فى الفلبين يتجاوز (110) مجموعات إثنية، ويوجد فيها أكثر من (170) لغة، بالإضافة إلى أربع لغات، لم تعد تتحدث بها الآن أى جماعة بصفتها لغتها الأم.
ووصل الإسلام إلى الجزر الجنوبية فى الفلبين خلال القرن الثالث عشر، ودخلت المسيحية فى القرن السادس عشر. وتركّز المجتمع المسلم فى الأجزاء الجنوبية من الأرخبيل الفلبيني، وشكل جزءاً من الهوية العرقية والقومية، وكما هو الحال فى ماليزيا وإندونيسيا، فإنه نهض على بناء تثاقفى يجمع بين الأديان والممارسات الثقافية الأصلية.
إن الصراع بين الكنيسة والدولة فى الفلبين يعد من الخصائص أو السمات البارزة التى طبعت تاريخ البلاد، إذ تبدو "المسيحية الفلبينية" أشد صلابة وحضوراً فى المجالين السياسى والاجتماعى.
أولى الكتاب اهتماماً بالمسيحيين فى الفلبين، فدرس تاريخهم -وهم أكثرية دينية- وتطرق إلى التبادل بين الكاثوليكية والديانة التقليدية، كما ناقش تأثيرها فى المسار الديمقراطى.
وتخلص إحدى الدراسات إلى أن "تحول الكنيسة من مؤسسة تستطيع منافسة الدولة فى المجتمع والتعليم، إلى منافسٍ ضعيف يفتقد إلى قاعدة شعبية واسعة، وتتضاءل إمكاناته، يمكن تفسيره بالتاريخ المضطرب بينهما، إذ يزعم الطرفان انكبابهما على المصلحة العامة للأمة، لكن أولوياتهما وافتراضاتهما تصادمت دائماً، ومرت فترات تخليا خلالها عن خلافاتهما لدى مواجهتهما خطراً يهدّد مكانتهما، ولم يكن من شأن ذلك التعاون أن يوهن التوترات الموجودة بينهما، بل بالكاد يخففها، وبمجرد أن يزول التهديد، تعود الخلافات لتحتل صدارة المشهد مجدداً".
وأدت رخاوة فكرة الدولة فى الفلبين والهامش التاريخى الكبير المتاح للمسيحية التقليدية، إلى بروز دور الكنيسة فى إدارة الشأن العام، لكنها خسرت نفوذها، بعد تراجع منسوب التديّن، ودخول لاهوت التحرير فى تشكيل تدينٍ ناعم، مرتبط بالحقوق الحديثة. فى المقابل فإن الإسلام، ثانى أكبر دين رسمى فى البلاد لدى حوالى عشر مجموعات إثنية- لغوية، أرسى مؤسساته التقليدية والتعليمية، واكتسب طابعاً تثاقفياً مكوناً من طبقات عدة بفعل أخذه بالمحيط الغنى الذى انتشر فيه.
وترى إحدى الدراسات أنه "فى قلب تلك الطبقات، ثمة نواة صلبة يكوّنها النظام التقليدى المستمر الذى يتأقلم مع المتغيّرات الخارجية. لقد عمل المواطنون الأصليون على "توطين أصلى" للإسلام الذى توافق [تثاقف] مع مجموعة من المعتقدات والممارسات الثقافية الحديثة، بعضها ليس بالضرورة متوافقاً مع مفاهيم «الحرام» [الشريعة الإسلامية] على غرار شرب الخمر، وحمل أسماء مسيحيّة".