الهدف الذي تسعى لتحقيقه جميع الأديان التوحيدية وغير التوحيدية على الأرض، هو خدمة أكرم خلق الله وخليفته على الأرض" الإنسان"، وليس العكس. ومن دلالات النص القرآني في قوله تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"(الإسراء:70)، أن عظمة التكريم الإلهي تتجلى في الإنسان دون بقية مخلوقاته، فقد خلقه تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلفه بعمارة الأرض، وعرض عليه أمانة الدين والقيام بالطاعات والواجبات الإلهية، فقبل بها وتحمل مسؤوليتها رغم ما بها من مشقات وصعاب ومهام جسام، في الوقت الذي رفضت فيه السماوات والأرض والجبال حمل تلك الأمانة ولم تطقها " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" ( الأحزاب:72). وهكذا ارتقى الله بالإنسانية إلى أعلى مراتبها، عندما اعترف للفرد بإنسانيته، وسخر مخلوقاته لخدمته ولم يجعله قربانا أو منساقا مسلوب الإرادة.
إذا الدين طريق ووسيلة للقرب من الله، وهداية وإرشاد للبشرية نحو النور الإلهي والمدد الرباني، طريق لا يحتاج لرجال دين أو واسطة بين العبد وربه، وما الرسل والمصلحون إلا بشر كلفهم الله بإبلاغ أتباعهم فقط وليس الثواب أو العقاب ومنح صكوك الغفران ومفاتيح الجنة وإلا تحولت مهمتهم إلى عبادة إنسان لإنسان مثله. "وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (النحل:33).
إن مهمة الدين-أي دين، أن يخدم الإنسان ويوصله نحو طريق الصلاح والسعادة، فالدين وسيلة وليس غاية في حد ذاته، والإنسان عليه أن يحافظ على الأمانة لا أن يكون في خدمتها، وإلا تحول الدين إلى شكليات وطقوس ومظاهر، وتدين ظاهري، بلا جوهر حقيقي.
وهناك فرق بين الدين والتدين والمتدين، فلا ينبغي أن نربط بين سلوك شخص ما يتظاهر بأنه متدين، يصلى ويصوم ويؤدى الفرائض، لكنه يأمر بقتل النفس التي حرم الله قتلها ويكفر الآخر المختلف معه مذهبيا ودينيا، ويدخل الرعب في نفوس الآمنين، ويفسد في الأرض بتدمير البيئة وتلويث الماء والهواء. ويتنمر على الآخرين، ويميز بينهم في اللون والجنس والمعتقد ويخلف الوعود، ويخون الأمانات. وهذا كله يمثل مشكلة في الإنسان ذاته وليس الدين.
لا يوجد دين أو مذهب أو معتقد أيا كان، يدعو إلى القتل وهلاك البشرية، أو التحريض على العنف، والإيذاء الجسدي والنفسي، وسلب حرية الإنسان، وإهانة الآخر والتقليل من شأنه، المشكلة في تأويل المتدين لظاهر النصوص، وقراءته وفقا لما يريده هو وما يعتقد أو ما رآه بشر مثله اجتهد فأصاب أو أخطأ.
يا دعاة الأديان عودوا بالدين إلى أصله الذي خلق من أجله، واجعلوه وسيلة لإسعاد الإنسان ودعوة للتضامن الإنساني، والتكافل والتعاون، وليس الفرقة والانقسام والحروب والفساد في الأرض. أفلا تعقلون؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة