يبدو أن حركة "النهضة" التونسية على موعد مع ثورة عارمة فى تونس، بعدما لفظتها المعارضة برلمانيا برفض حكومة الحبيب الجملى، مما دفع الرئيس قيس سعيد إلى تكليف إلياس الفخفاخ، لتولى المسئولية، ليصبح هو الآخر على موعد مع المجهول، فى ظل تصريحاته، حول استبعاد أحزاب بعينها، وعلى رأسها حزب "قلب تونس"، والذى يتزعمه نبيل القروى، الذى خاض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتمكن من الوصول إلى جولة الإعادة، وهو ما يمثل إقصاءً لشريحة مهمة فى الشارع السياسى التونسى فى المرحلة المقبلة.
ولعل النهج الإقصائى ليس ببعيد عن فكر "النهضة"، والتى تمثل جزءاً لا يتجزأ من جماعة الإخوان الإرهابية، حيث كان السبب الرئيسى فى سقوطها فى المرة الأولى، بعدما تولت زمام الأمور فى البلاد، فى أعقاب "الربيع العربى"، حيث إنها سعت إلى استبعاد المعارضة تماما من المعادلة السياسية، إلى الحد الذى وصل إلى استخدام سياسة الاغتيالات بحق رموز المعارضة، وأبرزهم السياسى التونسى شكرى بلعيد، والذى كان مقتله بمثابة الشرارة التى أجبرت زعيم الحركة راشد الغنوشى إلى الدعوة لانتخابات مبكرة فى 2014، مستبقا إقالته بعد احتجاجات عارمة فى الشوارع.
إلا أن النهضة، ومن ورائها جماعة الإخوان الإرهابية، غالبا ما لا يدركون دروس الماضى السياسية، وبالتالى دائما ما يتكرر فشلهم، على طريقة "الفلاش باك" بلغة السينما، حيث تقوم رؤيتهم على الاستحواذ على مقاليد السلطة والهيمنة عليها، عبر إقصاء كافة التيارات المعارضة، وهو الأمر الذى يؤجج الغضب الشعبى، وبالتالى يصبح السقوط بمثابة النهاية الحتمية لهم.
فلو نظرنا إلى النهج الذى تبنته الحركة التونسية فى التعامل مع الانتخابات الأخيرة، نجد أنهم سعوا للترشح فى الانتخابات الرئاسية عبر تقديم أكثر من مرشح، وعندما فشلوا فى الجولة الأولى، حاولوا الاحتفاظ بقدر من النفوذ فى قصر قرطاج، عبر دعم الرئيس الحالى، على حساب منافسه نبيل القروى، خاصة وأن الحركة أدركت أن هوى الشارع التونسى يميل للمرشحين المستقلين، بعيدا عن أى خلفيات حزبية، فى الوقت الذى حشدت فيه أنصارها للتصويت لمرشحيهم فى البرلمان مستغلين الإحجام الشعبى عن المشاركة، لتكون الأغلبية وسيلتهم للسيطرة على رئاسة البرلمان.
الرغبة العارمة فى الهيمنة والاستحواذ لدى "النهضة" خلقت حالة من التوحد لدى كافة الأحزاب المعارضة، ليشكلوا حجر عثرة أمام طموحاتهم، ربما تدفع نحو انتخابات تشريعية مبكرة فى ظل استمرار الفشل فى تشكيل الحكومة، وهو الأمر الذى رجحته العديد من المنابر الإعلامية، سواء فى تونس أو غيرها، لتكون بمثابة ثورة جديدة للتونسيين على النهج الذى تتبناه الحركة.
حركة "النهضة" فشلت فى دراسة تجربتها السابقة بعناية، عندما جاءت إلى السلطة فى أعقاب 2011، لتكرر نفس أخطائها من جديد، وهو ما سوف يؤدى حتما إلى سقوطها مجددا، سواء انتخابيا، فى حالة إجراء انتخابات مبكرة، أو ربما تتفاقم الأمور إذا ما قرر التونسيون الخروج إلى الشوارع من جديد، خاصة وأن الشعب التونسى سبق وأن أثبت فى مرات سابقة رفضه الكامل للخنوع ورغبته فى تحقيق مستقبل أفضل فى المرحلة المقبلة.