د. شوقى عبدالكريم علام

فقه فتبينوا.. «شخصية مصر فى معرض الكتاب»

السبت، 01 فبراير 2020 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تواجه الثقافة بشكل عام تحديات كبيرة؛ لارتباطها بالوعى العام للإنسان تجاه كل القضايا التى تطرح أمامه فى حياته اليومية، وتستند الثقافة فيما تستند إلى رؤى وأفكار وأطروحات تشكل قيما يتبناها الإنسان.
 
ولأجل أن تتسع رؤى الإنسان لا بدّ له من مناخ يتيح له أن يتثقّف؛ لأن اللحظة الراهنة تكشف بما لا يدع مجالًا للشك حالة الاستقطاب الثقافى بمكوناته الفكرية والدينية وحتى السياسيّة.
 
ومن أجل نشر الثقافة بشكل يعبّر عن الهُويّة المعرفية للدولة المصرية تُقيم وزارة الثقافة المصرية معرض القاهرة الدولى ليساهم فى نشر الوعى والثقافة والفكر والحد من حالة الاستقطاب الثقافى التى تقوم بها بعض المؤسسات التى تعمل على نشر الكراهية والفكر المتطرف سواء فى الداخل أو فى الخارج.
 
وقد أسعدنى حالة الإقبال والتوافد الكبير على المعرض فى دورته الحادية والخمسين، التى تعنون بـ«مصر أفريقيا» لتؤكد على الحضور الثقافى لمصر فى المشهد العالمى، وبالقلب منها أفريقيا، التى تمثل ضيف الشرف لهذا العام دولة السنغال الأفريقية، لكن ما أسعدنى أكثر هو اختيار شخصيّة العام العالم والمفكر والجغرافى الكبير الدكتور جمال حمدان، وقد سعت الهيئة العامة للكتاب على طبع موسوعته الشهيرة «شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان»، وقد توالت الأخبار على نفاد طبعات الكتاب فى أول أيام المعرض؛ مما يدل دلالة واضحة على نوع النمط الذى أصبح يسير إليه القارئ المصرى فى التعرف على الإنتاج وثيق الصلة ببلده ووطنه.
ولأنّ المقام يستدعى بشكل من الإشارة لا بدّ أن نتحدث عن شخصية العام أو لنقل عن شخصية مصر كما رآها مفكرنا جمال حمدان.
 
يطرح حمدان مجموعة من الرؤى والأفكار حول شخصية مصر، فيُقسم موسوعته إلى أربعة أجزاء يتداخل فيها الجغرافى بالتاريخى بالحضارى بالإنسانى بالسياسى، فيتناول الجزء الأول شخصية مصر الطبيعية، يتناول فيه المناخ الطبيعى لمصر وفى اللب منها نهرها الخالد «نهر النيل» الذى تتخذ شخصية المصرى منه حيويتها وحياتها، وفى الجزء الثانى يخصّه لشخصية مصر البشرية الذى يؤكد فيه على حالة التجانس والامتزاج بين الإنسان المصرى وما يرد عليه من واردات وتقلبات سياسية واجتماعية حتى أضحت له شخصيته المميزّة، وفى الجزء الثالث خصّه للحديث عن شخصية مصر التكاملية، حيث تقع مصر فى أفريقيا والتى تتميّز بالزراعة وتتطوّر فى كل الأزمان اقتصاديًا صانعة وضاربة بجذورها فى أفريقيا وآسيا ومع العرب باعتبارها أيضًا دولة قوميّة عربية، كما خصص الجزء الرابع للحديث عن شخصية مصر الحضارية حيث حاول أن يضع بوصلة وخريطة للمجتمع المصرى، تتيح له دراسته بشكل أوسع خاصة عاصمته القاهرة.يرى جمال حمدان أنّ مصر تحتل مكانًا وسطًا من حيث الموضع أو الموقع، وسطًا بين خطوط الطول والعرض وبين القارات والمحيطات، وبين الأجناس والسلالات والحضارات والثقافات، فهى أمة وسط، متعددة الجوانب والأبعاد والآفاق والثقافات، مما يُشير إلى عبقرية المكان.
 
فمصر من حيث الموضع، تربة منقولة من منابع النيل فى قلب أفريقيا إلى عتبة البحر المتوسط، وتداخلت فيها خطوط العرض المتباعدة والمتفاوتة، وهى تُمثل فى النهاية حالة نادرة من تراكب البيئات. ومن حيث الموقع، فإن تعدد الأبعاد فى موقع مصر حقيقة واضحة، فمصر حلقة وصل بين العالم المتوسطى وبين حوض النيل، كما أنها وسط بين المشرق والمغرب، فيؤكد حمدان أنّ لمصر خمسة أبعاد أساسية، الآسيوى والأفريقى والنيلى والمتوسطى والعربى.ولسنا هنا فى مجال الكشف عن الرؤية الجغرافية المصرية كما طرحها حمدان فقد أغنانا هو عن ذلك، لكننا فى هذه العجالة نريد أن نؤكد على أنّ الشخصية المصرية ضاربة فى عمق الحضارة والتاريخ والجغرافيا وأتاحت البيئة التى يحيا فيها الإنسان المصرى فى تشكيل وعيه وشخصيته، فكما أنّ طبيعة مصر تتسم، كما عبّر حمدان، بـ«البساطة تتجلى فى بنيتها وسمات وجهها التضاريسى ممتدة إلى مناخها وقاعدتها الجيولوجية الراسخة القديمة»؛ فإن طبيعة الإنسان المصرى تتسم كذلك بالبساطة الفكرية والعقدية والدينية، بساطة نلاحظها على المستوى الدينى فى قبوله للأحكام الشرعية والفتاوى الوسطيّة وبعده عن التشدد والتطرف والتلوث الفكرى التى تروج له الجماعات المتطرفة، وإن تلوث به حينًا فسرعان ما ينكشف له وجه الصواب فيرجع إلى أمره، بناءً على طبيعته البسيطة المتباسطة الوسطيّة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة