التجول فى بستان الفن والثقافة والإبداع بالصحافة الثقافية سواء المطبوعة أو الرقمية أمر جلل لا ريب فيه، ولا يمكن تجاوزه أبدا حتى وإن كانت الفترة التى يمر بها العالم العربى قد غمرتها الأحداث السياسية وفاض فيها المنسوب الاقتصادى عن حافة الاستقرار، فالقلق الذى يعترى الشخص المهتم بالثقافة يزداد سوءا عند مطالعته اليومية للصحف والمواقع الإلكترونية، فقد اتكأت المنصات المقروءة فى الفترة الأخيرة على الأحداث الثقافية حتى تلاشت صفحاتها من المحتوى القيم، سواء فى الجرائد القومية أو الحزبية أو الخاصة، فأصبح الأمر لم يكن قاصرا على دولة معينة أو منصة إخبارية بعينها إلا ما رحم ربي.
كما أن القائمين على الصحف الثقافية اهتموا اهتماما كبيرا بالأحداث السياسية أو تأثروا بالمدارس الخبرية لطرح قضية ما بصيغة خبرية حتى وإن كان ثقافيا، فتناول الموضوع الثقافى فى الفترة الأخيرة لم يعد كسابقه من فترات التحول من التحليل النقدى والتغذية الثقافية وتسليط الضوء على قضية معينة إلى مجرد أخبار مفتقرة التحليل والشرح والتوضيح، فمعظم الصحف والمواقع الإلكترونية خلت من وجود دائم وشكل ثابت لصفحات الثقافة بشكل لا يليق بالإبداع العربى، ولم أقل المصرى على وجه الخصوص، فقد ترى بعض الصحف والمواقع الإلكترونية لم يدرج صفحة للثقافة أو بعضهم جار عليها وقلص مساحتها والبعض الآخر دمج بينها وبين صفحات المنوعات أو الفن.
كل هذا التغيير أدى إلى وجود تجريف ثقافى حرم القارئ من حقه فى مطالعة ومواكبة الأحداث الثقافية التى يبحث عنها ليشبع حاسة الإبداع لديه، مما أدى إلى افتقار التنوير العقلى للمهتم بالشأن الثقافي، إذا اعتبرنا أن الثقافة الصحفية بمضمونها الشامل الجامع تساهم فى إثراء العقل وغذاء الوجدان وانتشاء الروح وإمتاع النفس، وإن وجهت الأسئلة للمسئولين لوجدت الردود جاهزة والمبررات حاضرة عالقة بالأذهان عن وجود صفحة ثقافية مستقلة، فهم يظنون أن هذه الصفحة الفقيرة لا يقبل عليها إلا فئة قليلة من المهتمين بمطالعة الصحيفة أو الموقع الإلكتروني، وأن اهتمام الغالبية منكب على مطالعة الأحداث السياسية والرياضية والفنية على الساحة الصحفية.
هذه المبررات التى يشوبها زيف القناعة، أدت إلى تقليص المحتوى الثقافى ومن ثم غياب العقول، وإذا أجابك بعضهم أن هناك صفحة ثقافية مستقلة تجدهم غالبا ما يجورون عليها تلبية لحاجة الإعلانات المقدمة وكأنها الأقل أهمية مقارنة بباقى الصفحات، ناهيك عن المحرر الثقافى المتمكن المفترض أن يقود هذه الصفحة المهمة، ومع ذلك وجبت الإشارة إلى أن عددا من المواقع الإخبارية لا تزال تهتم وتقاوم وتسعى لتقديم محتوى ثقافى جيد ومن ذلك ما يقدمه موقع الثقافة في اليوم السابع ، فإن شهادتي "مجروحة" بالطبع فى صفحة الثقافة بجريدتى الغراء والقائمين عليها بـ"اليوم السابع"، فإعادة شخصية الصفحة الثقافية أمر واجب لدى كل مسئول أراد أن يسهم فى انتشاء العقول وتنوير الوجدان وإثارة الإبداع، حتى لا تفتك مخالب الجهل فى عقول الشباب ويجرفهم التيار إلى شواطئ التطرف والإرهاب، فالمشكلة موروثة منذ العقود الماضية، تعامل المسئولون مع منجزنا الإبداعى باستخفاف، رغم أن لدينا قارئا يملك حسا إبداعيا مترعا متجددا، لذا أطالب المسئولين فى ظل حكومة الرئيس السيسى الرشيدة بالاهتمام بالصحافة الثقافية وصفحة الثقافة على وجه الخصوص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة