عاد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ليروج لمشروعه التوسعى الاستعمارى الذى يسعى لتحقيقه في الأراضى العربية، وذلك بإشارته إلى حدود الدولة العثمانية في السابق، ورغبته في استعادة حدود تلك الدولة التي تفككت عقب هزيمتها وانهيارها في الحرب العالمية الأولى، وزعم الرئيس التركى أن حدود دولته تفوق تلك الحدود الموجودة حاليا، حيث تمتد إلى مصراته الليبية، وحلب السورية، وجزر القرم.
وقال أردوغان في خطاب له إن حدود بلاده ليست كما هي عليها الآن، بل تمتلك حدودا فعلية في مدينة مصراتة الليبية وحلب وحمص والحسكة في سوريا، وهى إشارة من الرئيس التركى إلى رغبة بلاده في التوسع داخل عدد من الدول العربية بذريعة أنها حدود تتبع دولته، وتابع أردوغان: "إذا كانت هذه المدن خارج حدودنا الفعلية، لكنها داخل حدودنا العاطفية والقلبية والجسدية".
وأشار أردوغان إلى أنه سيتصدى لمن يحاول تحديد التاريخ التركي بالـ 90 عاما فقط، في إشارة إلى رغبته الواضحة في عودة الغزو العثماني للمنطقة، كاشفا عن قيامه بتعديل جميع المناهج الدراسية من المرحلة الابتدائية، لتعديل هذه الحدود الخاطئة.
الواضح أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يحاول استعادة أمجاد الدولة العثمانية التى منيت بهزيمة قاسية فى الحرب العالمية الأولى أجبرتها على توقيع هدنة "مودروس" مع الحلفاء فى عام 1918، ووقع الأتراك اتفاقا يسمى"الميثاق الملى"، وهو الاتفاق الموقع فى 28 فبراير عام 1920، إثر هزيمة السلطة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى وسقوط معظم أراضيها فى يد الحلفاء.
ووقع الاتفاق على الميثاق الملى مجلس المبعوثين العثمانى والذى كان يشبه البرلمان حالياً، وكان بين المبعوثين أو النواب العثمانيين حينها قيادات تركية وكردية وبعض القيادات العرب.
واتفق النواب الأتراك حينها على أن الأمة العثمانية جزء لا يتجزأ، وتم وضع خارطة للأراضى التى سيتم العمل على استعادتها واحتوت تلك الخارطة، إضافة إلى حدود الجمهورية التركية الحالية، فى الناحية الشرقية إقليم كردستان العراق الحالى، والموصل، وأجزاء واسعة من المناطق ذات الغالبية العربية السنية، وفى سوريا تشتمل على محافظة حلب وأجزاء واسعة من شمال سوريا التى يقطنها خليط عربى كردى أقام فى جزء منها حزب الاتحاد الديمقراطى إدارته الذاتية، حيث تشكل مدينة عين العرب واحداً من كانتوناتها.
وتوضح الخلفية التاريخية السابقة أسباب التدخلات التركية فى الشأن الداخلى السورى، فضلا عن الضغوطات التى تمارسها أنقرة على العراق بذريعة تواجد عناصر لحزب العمال الكردستانى فى شمال البلاد، بالإضافة لتصريحات أردوغان الاستفزازية حول دور أهمية أن يكون لبلاده دور فى مدينة الموصل، وهو ما يؤكد الأطماع التركية فى تلك المناطق التى يسعى أردوغان لضمها لحدود بلاده لإحياء اتفاق الميثاق الملى.
لا تنفصل التطورات الراهنة فى سوريا والعراق من التدخلات التركية عن الطموحات التى يتطلع أردوغان لتحقيقها بتنفيذ بنود الميثاق الملى الذى يستند عليه النظام التركى، وذلك لإيجاد مخرج للمشكلات التى تعانى منها تركيا بسبب سياسات أردوغان واستفزازاته بالتدخل فى الشؤون الداخلية للدول.
وتمكن النظام التركى من استعادة نفوذا واسعا فى هذه المناطق الموجودة فى خارطة "الميثاق الملى"، ليس عبر السيطرة المباشرة، لكن عبر حلفائها، إذ يبدو ذلك واضحاً فى كل من حلب وإقليم كردستان العراق وحتى فى أجزاء من الأراضى الواقعة اليوم تحت سيطرة تنظيم داعش فى العراق وسوريا.
يذكر أن أتاتورك قد رفض المعاهدة وأعلن من "الجمعية الوطنية التركية" التي كان قد ألفها منذ أبريل 1920 عدم الاعتراف بالحكومة العثمانية في إسطنبول متهما إياها بخيانة الميثاق الملي، ثم شكل حكومة جديدة في أنقرة، وأعقب ذلك اندلاع حرب الاستقلال التركية اليونانية، التي انتهت في 11 أكتوبر 1922 بانتصار تركي.
وألغى مصطفى كمال أتاتورك فى الأول من نوفمبر عام 1922 السلطنة العثمانية وحل حكومة إسطنبول، وأكد أن وفد أنقرة برئاسة عصمت إينونو الممثل الوحيد للأتراك فى لوزان.
وفى الجولة الأولى من المفاوضات من 21 نوفمبر 1922 إلى 4 فبراير 1923، ربط عصمت إينونو توقيعه على المعاهدة بالموافقة على بنود الميثاق الملى، الأمر الذى قوبل بالرفض من قبل الحلفاء فى 31 يناير عام 1923.
بدأت الجولة الثانية من مفاوضات لوزان فى 23 أبريل 1923 وانتهت بتوقيع الاتفاقية فى 24 يوليو، ولم يقبل من الميثاق الملى سوى الفتات، حيث منحت تركيا حكم مدينتى قارص وأردا خان بينما خرجت باطوم من السيادة التركية، حيث تمثل اليوم عاصمة جمهورية ذاتية الحكم تدعى أرجا تقع جنوب جورجيا.
ويهدد طموح أردوغان الطاغى باستدعاء جزء من التاريخ لتبرير تدخلاته فى الشؤون الداخلية للدول العربية، وذلك منذ صعوده إلى السلطة فى تركيا منذ عام 2002، وهو ما يفسر سبب التدخلات التركية المباشرة فى العراق وسوريا بعد أحداث الربيع العربى خلال عام 2011.