الصدفة وحدها قادتنى إلى قراءة سريعة لعناوين روايات دور النشر المصرية المشاركة بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ51، مما أثار فضولى لمطالعة الروايات التى تحمل عناوين مستفزة فكانت النتيجة محتوى المادة المكتوبة تفوح منها رائحة عطنة من الصياغة والفكرة ما بالك باللغة، فكيف لمؤلف يضع اسمه على غلاف كتاب وصفحة عنوان، يتفاخر ويتباهى أمام زملائه ويلقب نفسه بالكاتب الفلانى ومن ثم الروائى والقاص وعن المسميات حدث ولا حرج، لا يملك المهارات اللغوية الكافية لصياغة جملة باللغة العربية الفصحى، ناهيك عن الجماليات والظواهر اللغوية التى يجب أن يتحلى بها كاتب الرواية، دعنى أخبرك بنتيجة التحليل النفسى لمن يرتاد الكتابة الأدبية : الكاتب لا يكتب بالعامية الدارجة إلا إذا كان قاموسه وحصيلته اللغوية فقيرة شاحبة من المفردات والجماليات، إضافة إلى أن التعبير عن أفكاره باللغة الفصحى محدودة ومتواضعة، أعلم أن الحجة والرد السريع سواء من المؤلف ضيق الأفق أو القارئ غير الماهر بما يقرأ أو حتى صاحب دار النشر المحدودة التى ساعدته فى إخراج هذا العطب للجمهور : إنها اللغة الدارجة التى يستخدمها الناس العاديين لغة الشوارع والبيوت لكن يستحضرنى ردا على إجابتهم الساذجة : ما الفرق بين هذه الروايات السوقية وأغانى المهرجانات المتداولة بين الناس فى الميكروباصات والتكاتك والمناطق الشعبية نعم كلاهما مكتوب بلغة الشارع الدارجة ولكن الآثار السلبية بالغة، فالرواية المكتوبة بالعامية ليست أقل ضررا على الذوق العام من أغانى المهرجانات.
هذه القضية للأسف تنسف الجوهر الحقيقى للأدب والفن عموما، لأن كتابة رواية أو كلمات أغنية مفترض أن تصل إلى آلاف القراء والمستمعين، بل الملايين أحيانا، من الضرورى أن نخاطب هؤلاء المتلقين بلغة باقية تدوم طويلا تليق بهم، وليست موضة تفسد أكثر ما تصلح وسرعان ما تختفي، ولنا فى عظماء الرواية العربية أسوة حسنة، قيصر الرواية صاحب نوبل نجيب محفوظ، انخرط وانصهر مع الناس العاديين مع أهل الحارة والشارع والذقاق والمدق، أخذ منهم شخوص رواياته وجسد بهم أبطال أعماله، نقل أفكارهم وغاص فى دهاليزهم، لكنه لم يكتب مرة باللغة العامية لذا أدب نجيب محفوظ حى باقى مهما مرت السنوات، تذكر معى عزيزى القارئ فى هذه الحقبة من الكتابة كان هناك الروائى والسيناريست إسماعيل ولى الدين يكتب الرواية بالعامية وله من الدعاية والإعلانات مساحات فى شوارع القاهرة ووضع اسمه على تترات الأفلام، هل تتذكره أو تذكره الآن؟
أظنك تعلم الإجابة جيدا، فالكتابة بالعامية موضة متجددة مندثرة فى الوقت نفسة، تبعد كل البعد عن التناول النقدى من قبل أساتذة النقد، وكذلك لا تلقى استحسان من القارئ سوى مرة واحدة فى العمر وإن اكتملت، مقارنة بأعمال روائية شامخة مكتوبة باللغة الفصحى قرأت وتقرأ ولازالت تقرأ وتناقش وتنقد.
ماذا لو تصدى المثقفون فى مصر والغيورون على الشأن الثقافى للحفاظ عليه من الانحدار لظاهرة العامية المميتة للرواية المصرية؟
ماذا لو تم اتخاذ إجراء مؤسسى أسوة بما اتخذه نقيب الموسيقيين ضد أغانى المهرجانات؟
لذا أطالب المسئولين فى مصر عن صناعة الكتاب بداية من أساتذتى أساتذة علم المكتبات والمعلومات أن يضيفوا مبحث اللغة ضمن تشريعات الكتب والمكتبات، وضع وزارة الثقافة قيود للنشر يتضمن اللغة الفصحى فى الرواية باستثناء الشعر فهو قضية أخرى، وكذلك اتحاد الناشرين، وبعد صياغة القوانين واللوائح يمكن تحميل المسؤلية لجهتين أولهما دار الكتب القومية بصفتها الجهة المنوطة بمنح الناشر رقم إيداع للكتاب قبل طباعته، وأخيرا أطالب اتحاد كتاب مصر كيف تمنحون روائيا عضوية اتحاد الكتاب وهو لا يجيد كتابة جملة باللغة العربية الفصحى ممزوجة بالجماليات والظواهر البديعية.. الارتقاء الثقافى فى مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة