يحتفل العالم اليوم باللغة الأم، وفى هذا الشأن فقد خاضت الثقافة المصرية كثيرا من المناقشات حول لغتها الأم ما بين اللغة المصرية القديمة التى تحدث بها الإنسان المصرى على مدى آلاف السنين والتى سجل رسومها على جدارن معابده وتماثيل ملوكه، وبين اللغة العربية التى جاءت مع الإسلام واستقرت فى البلدان وصار بها الكتابة والتأليف.. ومن أجل ذلك سنتذكر معا واحدة من المعارك التى دارت فى الثلث الثانى من القرن العشرين بسبب هذه المسألة.
,أشعل الدكتور طه حسين فتيل هذه المعركة عندما كتب بجريدة كوكب الشرق عام 1933 مقالة قال فيها "إن المصريين قد خضعوا لضروب من البغض وألوان من العدوان جاءتهم من الفرس واليونان وجاءتهم من العرب والترك والفرنسيين" ودخل معه على الخط السياسى عبد الرحمن عزام فكتب مقالة "أليست مصر عربية؟" نشرها فى جريدة البلاغ المصرية، رد فيه على طه حسين، وطالبه بـ"أن يتفضل بذكر بعض الحوادث التى تدخل العرب المسلمين فى زمرة البغاة المعتدين".
وأكد عزام على عروبة المصريين قائلاً: "قبل المصريون دين العرب وعادات العرب ولسان العرب وحضارة العرب وأصبحوا عرباً فى طليعة العرب" وأضاف: "والذى نعلمه من البحث عن أنساب أقاليم مصرية بأكملها أن أكثرية دماء أهلها ترجع إلى العرق العربى".
ونفى أن يكون الشعب المصرى الحالى من سلالة المصريين القدماء اللهم إلا فئة قليلة وقال إن الأمة المصرية غمرها سيل من الهجرة العربية. وختم مقاله بانتقاد جميع النزعات القومية المخالفة للقومية العربية.
ورد طه حسين على مقال عزام بمقال نشرته جريدة كوكب الشرق انتقد فيه جريدة البلاغ التى تزعمت الحملة الشرسة ضده، ونفى أن يكون خصماً للعرب أو منكر لمجدهم البائد.
وقال: "إنى أبعد الناس عن الإساءة إلى العرب"، لكنه استدرك أن تاريخ الحكم العربى لمصر "كان كحكم العرب لجميع البلاد الإسلامية مزاجاً من الخير والشر والعدل والجور وقد ضاقت مصر به وثارت عليه وجدت فى الثورة".
ودخل المعركة الأديب إبراهيم المازنى في مقال نشرته جريدة البلاغ، انتقد فيه طه حسين فقال إن "حكم الإنسان للإنسان يكون فيه الخير والشر والعدل والجور، وإن كل أمة قديمة أو حديثة فى كل مكان من هذه الأرض لقيت هذه الألوان من حكامها"
بينما كتب فتحى رضوان مقال نشره فى البلاغ بعنوان "لا فرعونية ولا عربية بعد اليوم" انتقد فيه الفريقين سواء المؤيدين للفرعونية أو العربية، لأن كليهما "لا يبحثون بوسائل الإثبات العلمية بل يفاضلون بين مجد الأمتين ويقرنون الدين فى هذه المفاضلة"، مضيفاً: "كان واجب الباحثين أن يقصروا بحثهم على العرب لا على الإسلام ووجب أن يفاضلوا بين العرب قبل الإسلام وبعده لا العرب قبله فحسب".
وانتقد رضوان الذين يخلطون العروبة بالإسلام واعتبر أنهم يسيئون للدين. وختم فكرته بقوله إن "الفرعونية والعربية موضوع يجب أن يهجر لأنه فى جملته وتفصيله سبة وعار، عار أن يختلف المصريون هكذا فى معرفة أصولهم وأنسابهم. عار أن يرتفع صوت كاتب عظيم ليقرر أن مصر فرعونية ويرتفع من الجهة الأخرى كاتب عظيم ليقرر أن مصر عربية".
وانضم المفكر سلامة موسى إلى المعركة وحرر مقالاً بعنوان "هذا الوطن المصري" دافع فيه عن الدعوة إلى الثقافة الفرعونية.
وكان موسى من أشد الداعين إلى فرعونية مصر، نافياً أن تكون دعوته رجعية بل دعوة حضارية، وانتقد الذين يظنون أن الدعوة إلى الفرعونية تعنى الجحود للعرب أو الرجوع إلى ديانة الفراعنة وأنظمتهم، ورأى أن هذا سخف يتم التوسل به للطعن فى الفرعونية.
ودخل زكى مبارك (1892 – 1952) الحلبة بمقال فى البلاغ بعنوان "الثقافة العربية والثقافة الفرعونية" انتقد فيه مَن يقولون بفرعونية مصر.
وقال إن "مصر اليوم لغتها العربية ودينها الإسلام، فمَن يدعوها إلى إحياء الفرعونية يدعوها أيضاً إلى نبذ اللغة العربية ويدعوها أيضاً إلى أن تذهب مذهب الفراعنة فى فهم الأصول الدينية".