كل المؤشرات تؤكد أن الدولة ووزارة الصحة قدمتا جهدا واضحا ومهما فى التعامل مع فيروس كورونا، ولا يوجد سبب واحد يدفع الدولة لإخفاء وجود إصابة أو اشتباه، وهو ما ظهر مع حالة المشتبه به الأجنبى، وتحديد مكان للعزل وتوفير كافة الشروط اللازمة. ونفس الأمر فى التعامل مع المصريين فى ووهان الصينية، حيث تم إرسال طائرة خاصة لنقلهم، وتجهيز مكان للعزل حتى انتهاء الفترة المحددة. وكانت شهاداتهم تؤكد الاحتراف فى التعامل.
كل هذا يعنى أن الدولة تتعامل بمسؤولية واحترام واحتراف. وفى نفس الوقت تحرص وزارة الصحة وأيضا منظمة الصحة العالمية، على تقديم المعلومات المتوفرة، ولا يمكن إخفاء أو التستر على إصابة. وبالرغم من وضوح هذا كله، تظل هناك شائعات يتم إطلاقها وتجد طريقها على مواقع التواصل الاجتماعى، ومنها حوار لسيدات يزعمن أنهن أمهات يتبادلن حديثا عن إصابات بالإسكندرية، أو فى بعض مناطق القاهرة، ويتم تناقل هذه المحادثة على «واتس آب» بشكل منهجى. ومع كثرة الترديد والنقل والمشاركة، ينتشر القلق بين مواطنين على السوشيال ميديا خاصة هؤلاء القابلين عادة لتصديق الشائعات، وبعض هؤلاء معذورون أمام انتشار تسجيلات تبدومعدة بشكل احترافى.
اللافت للنظر أن هناك بعض المستخدمين قالوا إن أصوات الأمهات المزعومات الثلاث تكررت من قبل وأشاعت وجود وباء غامض بين مدارس الإسكندرية، وفى حالة ثبوت هذا الاتهام فنحن أمام شائعات منهجية تحتاج إلى بحث من أجهزة المعلومات لمعرفة مصدرها، لأنها قد تكون ضمن لجان إلكترونية تعمل فى إطلاق الشائعات والأخبار المفبركة، خاصة وأن فيس بوك وأدوات التواصل تزدحم ببوستات مفبركة منسوبة لمواقع شهيرة، تحمل تصريحات مغلوطة لوزيرة الصحة هالة زايد، وهى تصريحات غير منطقية، ومع هذا هناك عدد من المستخدمين أعادوا نشرها بحثا عن إعجاب أو الظهور فى هيئة العالمين ببواطن «الفيروسات».
وهذه البوستات راجت على صفحات خبراء «الهبد والتطجين» ممن يفتون فى أى موضوع بثقة الجاهل ويقين الأحمق. وبعض هؤلاء كانوا يعتمدون على بوستات وأخبار منشورة أصلا فى مواقع ساخرة وفكاهية، لكنهم لم يلتفتوا لذلك. وخبراء «الهبد» الأكثر انتشارا، جاهزون للفتى فى الطب والأنهار والطبيخ والاقتصاد والسفن والطائرات والكلام والمهرجانات والرقص والأخلاق والتوابل بنفس الكفاءة.
وإذا كانت لجان أو منصات معادية تمارس نشر الشائعات، من ضمن مهام يقبضون عليها، فهناك فيروس «التعالم الادعائى» لدى قطاعات من رواد التواصل الاجتماعى، ممن يتبرعون بنشر الهلع من دون أى قاعدة للمعلومات، وإذا طلب منهم أحد أن يقدموا مصدرهم يعتبرون هذا تشكيكا فى علمهم غير الموجود.
هؤلاء فى الواقع لا يمارسون نوعا من الخوف المشروع بما يفيد، لكنهم ينضمون إلى كتائب الشائعات فيضاعفون من الخوف. مع أنه لا يوجد أى سبب ولا إمكانية لأن يتم التستر على ظهور حالة من الكورونا أو اشتباه، والصين نفسها تعلن المعلومات أولا بأول، لأنها والعالم أمام فيروس يهدد العالم. بل إن الصين نفسها اتهمت الولايات المتحدة بإطلاق أخبار وفيديوهات مضللة حول كورونا وضحاياها، بينما كانت الولايات المتحدة تتهم الصين بالتعتيم على عدد الإصابات، وهى حرب معلومات ضمن حرب تجارية، ربحت فيها أمريكا بدرجة كبيرة. وهى حرب واضحة، لكن عندنا فيروس الجهل يدعم فيروسات الشائعات التى تمثل خطرا إضافيا قد يساوى خطر كورونا أو أشد.