و من مفارقات القدر التي لا تتوقف ما نرتكب من أخطاء جسيمة ندمر بها أنفسنا بأيدينا نحن لا بيد أعدائنا ، هؤلاء الذين يخططون لأمد طويل و يرمون بخطة تلحق بها أخري بملعبنا الفسيح لنلتقطها بشغف و ننفذ بنودها بمهارة تكاد تفوق تنفيذ من خطط لها .
فكما نعلم جميعاً أن المخطط الذي لا يكل عن العمل ، أول أولوياته و غاية مرادة طمث هويتنا الصلبة و محو ثقافتنا و تراثنا و إلهاء شبابنا عن العمل و تسطيح عقولهم و توجيه إهتماماتهم لكل ما هو تافه غير ذو قيمة ، لتغيير الأذواق و ضرب عصب الأمة و مستقبلها المتمثل بشبابها في عافيته من خلال طرح صيحات مبتكرة من المخدرات التي غالباً ما يتم تصنيعها خصيصاً لشباب الأمة العربية وبكل تأكيد علي رأسها مصر .
ومما لا شك فيه إن هؤلاء المخططين الذين نعلمهم جيداً و نري ملامح وجوههم من خلف الأقنعة يدركون جيداً أن الثقافة و الفنون هي مقياس الرقي و التحضر لدي الشعوب ، و أن ما كانت مصر تحديداً تذخر به من كم هائل تشكل علي إثره وجدان شعبها من مختلف الطبقات و الدرجات العلمية ، بداية من البسطاء إنتهاءً بالعظماء لا حصر له.
فالكل قد ناله من هذا الزخم الفني و الثقافي و المعرفي ما يؤثر به تأثيراً عظيماً و يشكل ملامح شخصيته و يحفر بداخله قيم و مبادئ لا يقو علي محوها أي مغتصب أو عدو ، معلن عن نفسه كان أو مختبئ .
لكن بكل أسف لم يتوقف هؤلاء الذين ينفذون مخططات العدو دون وعي لحظات للتأمل و مراجعة النفس علي ما يقترفون من ذنوب بحق أوطانهم ،
فهل سأل أحدكم نفسه و لو لمرة واحدة عن السبب الذي أطاح بأخلاقياتنا و قيمنا لتتحول إلي أخري ليست منا و لسنا منها في حالة من اندهاش الجميع و شكواهم حسرة علي ما كان ؟.
هل فكر أحدكم أين ثقافتنا و فنوننا و فنانينا و مطربينا و ملحنينا و عظماء فنوننا الذين تمت إزاحتهم عن الصورة ليتصدرها الأشباه و المحدثين و مطربي المهرجانات بما تحتويه من بذاءات يجب أن يحاسب عليها القانون ليس فقط عن طريق منع تراخيصها الرسمية من خلال النقابات الفنية ؟.
فنقيب الممثلين أو الموسيقيين ليست لديه هذه السلطات الواسعة التي تمكنه من منع و إيقاف تلك المهازل بشكل رادع ، بل علي السادة المسؤولين سرعة سن قوانين تستهدف إيقاف و معاقبة كل من يسئ إلي مصر التي كانت منارة و قبلة الفن و الفنانين من كل أنحاء الأمة العربية .
هل فكر أحدكم ، من وراء فوز أغنية مغني المهرجانات الجديد بالمركز الثاني علي موقع الأغاني العالمي الأشهر علي الإطلاق ؟، فعندما سمعت الخبر نزل علي كالصاعقة و أخذت نفس عميق لأجبر نفسي علي سماع الأغنية لعلي أكون متحاملة و ربما أجد بها ما يجعل موقع الأغاني العالمي يضعها بترتيبه الثاني !
لكنني أعزائي بعد أن سمعتها لأحل اللغز ، تضاعفت مخاوفي و انتبهت إلي ما هو أكبر و أخطر من هذا الموضوع السطحي !
فهناك من يسعي جاهداً لتصدير الرداءة و إقرارها و ترسيخها بالأدلة و حسابات الأرقام المعروفة بالتريند أو نسب المشاهدة أو أي من المسميات و التقاليع الرقمية التي أطاحت بكل ما هو جميل و حقيقي لصالح وهم علي وهم !
هذه الواقعة الخاصة بتصنيف الغنوة التافهة عالمياً ، بالطبع قد آتت أوكلها و بلعنا نحن الطعُم بكل سهولة ، و سارعت وسائل الإعلام بنشر الخبر السعيد و التفاخر به و الإعلاء من قيمته و المساعدة في ترويجه علي أوسع نطاق ،
هذا إلي جانب الجهاز المخابراتي الأقوي عالمياً المتمثل في ( السوشيال ميديا)! ،
في حين تتجاهل بشكل متعمد أو غير متعمد عمالقة الفن الحقيقي و شبابه من الموهوبين عن جدارة و استحقاق، إذ لا يحظ هؤلاء بهذه الأرقام من نسب المشاهدة الإلكترونية التي باتت معياراً للنجاح و النجومية بغض النظر عن خطورتها الضخمة في ضرب ثقافة و ذوق ووعي أجيال بعينها ، ما حدث بالأدلة و البراهين !
نهاية :
إن اتفقتم معي بوجهة النظر أو اختلفتم ، فلن ينال الخلاف من وحدتنا حول قضية واحدة ، و هي الوطن الذي يتحالف علي النيل منه المتحالفون الذين يشكلون عناقيداً متشابكة.