ماذا ننتظر ؟
هل نقف أمام قطار جامح مندفع مات سائقه ، ونقول يارب سلم ؟
انتابنى هذا الشعور اليائس البائس ، أثناء متابعة المؤتمر الصحفى لوزيرة التخطيط الذى أعلنت خلاله أن تعداد مصر فى الداخل وصل الى مائة مليون ( فى عين العدو ) والحقيقة أنهم ليسوا فى عين العدو ، ولكن فى عين كل مسئول عن إطعام هؤلاء وكسوتهم ، وتدبير مكان لكل تلميذ يلتحق بالمدرسة ، وسرير للعلاج اذا مرض ، وفرصة عمل عندما يتخرج ، ومنزل اذا اراد أن يبنى أسرة .
عندما قامت ثورة يوليو كان تعداد مصر " أول عن آخر" دون العشرين مليون ، الآن أنجبت المصريون مليون بنى آدم خلال آخر ستة شهور فى العام الماضى، وهو ما يتجاوز تعداد دولة مثل قطر ، ويجعلنا بكل أسى ، وليس فخر ، نحتل المركز الرابع عشر عالميا، والأول بين الدول العربية والمرتبة الثالثة بين الدول الإفريقية بعد كل من نيجيريا وإثيوبيا..السؤال الذى يطرح نفسه منذ عدة عقود دون إجابة حقيقية : هل سنقف هكذا مكتوفى الأيدى ومصر تستقبل مولود كل 17.7 ثانية ، تخيلوا أن أكثر من 400 فم قد فتحت خلال انعقاد المؤتمر الصحفى للوزيرة.
طبعا الرقم المفزع كاشف فى أحد جوانبه لأشياء إيجابية تتمثل فى تراجع وفيات الأطفال ، وارتفاع متوسط أعمر المصريين ، بسبب التقدم الصحى واكتشاف علاجات لأمراض كانت قاتلة ومميته ، ولكن لابد من وقفة ، ولابد من حلول خارج الصندوق لأن أعلى معدلات الزيادة السكانية وقعت فى محافظات هى الأعلى فى معدلات الفقر ، مثل محافظات سوهاج وقنا وأسيوط ، هناك ارتباط شرطى بين الفقر والجهل وزيادة السكان ، نحن إذن أمام كثرة ولكنها " كثرة كغثاء السيل " .
يجب أن يكون للدولة ، ولرجال الدين : من مسلمين ومسيحيين كلمتهم وموقفهم الواضح غير الملتبس ، لأن هناك خطاب سلفى لا زال يسيطر على المشهد ، ويحلل للناس " الخلفة " مثل مقولة أن " كثرة العيال عزوة" وأن " كل عيل بيجى برزقه " دون أن نحسب تأثير هذا على متوسط نصيب الفرد من الخدمات مثل التعليم والصحة والنقل ..والمعروف أنه لم تنجح أية محاولة للتلويح بمعاقبة كثير الخلفة ، حتى بما فيها التهديد بأن يكون الدعم لطفلين فقط ،.. نحن فى حاجة الى عدة حلول متكاملة ، تحكمها رؤية ، واجراءات على الأرض حتى لاتلتهم الزيادة السكانية كل ثمار التنمية الإقتصادية،ولا نستشعر اى تحسن على الأرض ..لابد من وقفة لمحاصرة العشوائيات التى تسبب فيها سباق الأرانب .. يجب أن نعود الى رسالة "حسنين ومحمدين" ليس لكى نعيدها من جديد بحملة أخرى ل أبو شنب " اتنين كفاية" لأن الزمن اختلف ، ومزاج وعقلية الناس اختلفت اختلافا جذريا ، لابد من وسيلة جديدة نصل بها الى عقلية المواطن : زوج وزوجه ، ونقنعه بالرائدات الأسريات أو باأية وسيلة أخرى ، المهم يقتنع الزوج وزوجته أن عزوته فى " عيلين " يربيهم صح ، بدلا من " كذا عيل " يفشل فى تربيته ، واذا كانت الدولة مترددة فى عقاب كثير الخلفة فأمامها مكافأة الملتزم بحافز
ورغم كل ما يمكن أن نقوله فأنا أقف أمام كلمة الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية فى المؤتمر الصحفى عندما قالت : يجب النظر إلى الزيادة السكانية باعتبارها" تحدي وفرصة "في الوقت ذاته.. الخلاصة أن الدولة يجب أن تسعى لمواجهة هذا التحدي بالعمل على مساريين متوازيين هما العمل على تعظيم الاستفادة من الثروة البشرية الحالية ، مع العمل في الوقت ذاته على ضبط معدلات النمو السكاني من خلال العديد من الآليات والبرامج .. للأمانة فى اليوم التالى لمؤتمر الوزيرة ناقش مجلس الوزراء الملف باعتباره أمر جلل لم يعد يحتمل التأجيل من أى نوع .. واذا كانت أوروبا قارة عجوز لاتجد شبابا يعمرها ، وأغلب سكانها من كبار السن فمصر دولة أغلبتها شباب يافع ، ويبشر بالخير ، ولكن يجب أن نعى أمكانياتنا ، ونسعى لتعظيمها ، والسيطرة على سباق الأرانب لكى تتمكن الدولة من الوقوف والنهوض ثم الإنطلاق .. مصر فى حاجة الى استراتيجية جديدة للتعامل مع ملف الإنفجرا السكانى الذى يلتهم كل ثمار التنمية أول بأول .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة