سعيد الشحات يكتب : ذات يوم .. 23 فبراير 1862.. السجن للهاربين من مشروع حفر قناة السويس.. والعمال يقذفون رؤساءهم الفرنسيين بقلل الماء.. والصعايدة يطلقون الأعيرة النارية

الأحد، 23 فبراير 2020 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب : ذات يوم .. 23 فبراير 1862.. السجن للهاربين من مشروع حفر قناة السويس.. والعمال يقذفون رؤساءهم الفرنسيين بقلل الماء.. والصعايدة يطلقون الأعيرة النارية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى إحدى حجرات السجن جلس عشرة من العمال القرفصاء، ولما شاهدهم سائح فرنسى خطر له أن يسأل أحد حراس السجن عن سبب حبسهم.. كان الحارس يجلس على الأرض عند باب السجن يأكل خبزا وبصلا، وفور أن فرغ السائح الفرنسى من سؤاله له، أجاب: «البك هو الذى أمر بسجنهم».
 
القصة دارت وقائعها فى يوم 23 فبراير، مثل هذا اليوم، عام 1862، وهى واحدة من آلاف الحكايات عن السخرة فى حفر مشروع قناة السويس، الذى بدأ العمل فيه يوم 25 إبريل 1859 وانتهى فى 17 نوفمبر 1869، ويذكرها الدكتور عبد العزيز محمد الشناوى فى كتابه «السخرة فى حفر قناة السويس».
 
يؤكد «الشناوى» أن «البك» المقصود فى قصة المسجونين العشرة هو إسماعيل حمدى الذى عهد إليه الوالى سعيد باشا حاكم مصر مهمة حفظ النظام فى ساحات حفر القناة، وكان شديد القسوة مع الفلاحين الذين يتم شحنهم إلى الحفر من محافظات مصر المختلفة، وذلك فى ظل فرض نظام جائر فرضه الوالى سعيد باشا لجمع العمال.
 
ينقل «الشناوى» عن سائح إنجليزى يدعى «بادجر»، قابل وهو فى طريقه من الزقازيق إلى منطقة القناة فى شهر ديسمبر 1861، جموعا غفيرة من العمال المصريين يقطعون الطريق إلى ساحات الحفر سيرا على الأقدام «بلغ عدد العمال فى هذا الشهر14697 عاملا»، فسأل السائح الإنجليزى فريقا منهم بعض الأسئلة، من بينها سؤال: هل جاءوا بمحض رغبتهم؟..فكانت إجابتهم مجمعة على أنهم قدموا رغما عنهم، وحرص السائح الإنجليزى على أن يسجل هذه الإجابة باللغة العربية الدارجة كما انطلقت بها ألسنتهم: «أخذونا بالزور».
 
تتابع تدفق الفلاحين إلى مشروع الحفر بشكل منقطع النظير طوال عام 1862، وحسب الشناوى: «كان عدد العمال الذين يساقون زمرا إلى ساحات الحفر يتراوح بين عشرين ألفا واثنين وعشرين ألفا فى الشهر الواحد، وقاوم المصريون هذا النظام الجائر، فازداد عصيان العمال فى ساحات الحفر، وتعددت حوادث هرب العمال من منطقة القناة كلها، وكان يكثر هربهم فى أول الأمر فى الليالى غير القمرية، حيث كان يسهل عليهم التسلل فى ظلامها الدامس، ثم اشتدت حركة الهرب فلم تكن حركة فردية بل كانت حركة جماعية، نذكر على سبيل المثال أنه هرب 62 عاملا فى ليلة واحدة، وفى الليلة التالية هرب 199 رجلا من الذين سيقوا من مديرية المنيا، كما هرب عمال روضة البحرين «تشمل محافظات المنوفية والغربية وكفر الشيخ»، والعمال الذين جىء بهم من طلخا ودسوق، وما لبث أن أظهر عمال الوجه القبلى تحديا سافرا للشركة أثناء هربهم، إذ كانوا يطلقون الأعيرة النارية فى الهواء تحريضا لزملائهم على الهرب معهم، وكان الرؤساء الفرنسيون يتعرضون لأخطار جسيمة إذا وقفوا فى وجه العمال الهاربين الذين كانوا يقذفونهم بقلل الماء، وكان العمال لا يقفون عند هذا الحد، فإذا كان الرئيس الفرنسى راكبا جواده، كما كان الحال غالبا، طرحوه أرضا وأوسعوه ضربا».
 
أمام هذه الحالة أقدم الوالى سعيد على تعيين «إسماعيل حمدى» ضابطا لحفظ النظام فى ساحات الحفر، ووفقا لـ«الشناوى»: «استهل حمدى عمله استهلالا قاتما معتما، إذ قبض على زعماء العمال المتمردين وألقى بهم فى غياهب سجن أقيم فى منطقة عتبة الجسر، وكان مبنى السجن عبارة عن منزل منخفض أقيم فى مكان منعزل يفصله عن الطريق العام فناء فسيح، وأعلن فى ملأ من العمال أن سعيد باشا قد أمره بألا يسمح لأى عامل بأن يقضى يوما واحدا فى البرزخ بدون عمل، لأن الوالى يريد أن تمضى عمليات الحفر فى سرعة ونظام».
 
مضى إسماعيل حمدى فى استخدام وسائل العنف والإرهاب إزاء عمال السخرة، ففرض عليهم مراقبة دقيقة من مشايخ العمال، وعين قوات من فرسان البوليس التى ترتاد المنطقة الواقعة بين ساحات الحفر والتل الكبير لتعقب العمال الهاربين، وبعث إلى السجن بكل عامل بدا منه أنه يخل بالنظام أو يهمل فى العمل أو ينزوع إلى الهرب، وكان المشايخ من رؤساء العمال يخافون من أن ينزل عليهم غضبه، فكان «الشيخ» يقسو على العمال الذين تحت إمرته إذا لاح له أن تقصيرا بدا منهم».
 
يذكر الشناوى أن «حمدى» أراد أن تكون عقوبة الضرب علنية، وأن يشهد عذاب العمال طائفة منهم، فكانت عقوبة الجلد أو الضرب تتم فى الحى العربى فى عتبة الجسر، فتفترش على الأرض قطعة كبيرة من جلد البقر، ويجلس عليها العامل «المذنب»، وينهال الشيخ عليه ضربا بالكرباج أو العصا.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة