فى الظاهر، فإن أغلب جمهور التواصل الاجتماعى يتحدث عن القيم والأخلاق والمبادئ، ويعلن دائما رفضه للنماذج الفجة والتافهة، ومع هذا فإن التافه والسطحى هو الذى يفرض نفسه على السطح، ويسيطر على التريند.
ولا يعنى هذا أنه لا يوجد جادون و«كويسين» وعمقاء، لكن الكل يتوجه نحو «الزيطة» سواء بالسلب أو الإيجاب. والطبيعى أنه إذا كان المستخدم رافضا للتفاهة يمكنه تجاهلها والتركيز على كما هو جيد وجذاب وعميق لكن الواقع غير ذلك وهنا تظهر معادلة مثيرة ومضحكة.
المفارقة أن كل من يسأل عن النماذج الجيدة لا يقدمها ويكتفون بالهجوم على الآخرين والنتيجة أن الأغانى التى تحظى بأكبر قدر من الهجوم، هى التى تعوم، والمطرب المتقافز القالع هو الذى يشتهر ويخرج ليقدم للناس نظرياته فى التفاهة العميقة.
وفى عالم أدوات التواصل يمكن للمستخدم أن يعرف كيف يبدأ ولا يمكنه تحديد النتائج، وأحيانا يتصور البعض أنه يمارس حقه فى رفض نماذج سيئة، لكنه فى الواقع يشارك فى تقوية شهرة ونجومية من يريد انتقاده لأن مواقع التواصل ليست مكانا مناسبا لممارسة الحوار، لكنها غالبا فاترينة يسعى أغلب سكانها لاستعراض أنفسهم، ومن الصعب على بعض هؤلاء الاعتراف بالخطأ، أو التراجع عن تحليل أثبتت الأيام خطأه.
ثم إن مساحات الخلاف والاختلاف تبدو أوسع وأكبر فى عالم التواصل والخلاف واسعة، وكثير من المستخدمين لكل منهم ذات لا يريد للآخرين الاقتراب منها، أو التشكيك فى صورة بناها لنفسه من البوستات واللايكات، حتى لو كانت هذه الصورة تختلف عن حقيقته. وبعض هؤلاء متعلمون وفاهمون، لكنهم كثيرا ما يقعون فى التعميم أو يقيمون تحليلاتهم على بوستات أخرى مصوغة بحرفية لكنها فارغة وخالية من المضمون.
ومن مراجعة تفاصيل الحملات والمناقشات السوشيالية حول عدد من القضايا والأشخاص حملات تدعو لمقاطعة نوع من الغناء مثل المهرجانات، أو حتى المشاهير فى عالم التفاهة، فنحن أمام ازدواجية، من يدعون للرفض يتابعون ويستهلكون ما يرفضونه، ولسنا بمعرض تقييم ظاهرة المهرجانات لأنها نتاج موجود دائما، لكنه يطفو مع ضعف المطروح فى الواقع، يملأ فراغا تغيب عنه الفنون الجيدة. وربما يكون الحل فى تقديم الجيد وليس الدعوة لإزالة التافه.
ثم إن ما يقدمه المهرجانيون ربما لا يختلف عما يقدمه مطربو السيفون والكلسون وأصحاب الأصوات المنكرة. ومن بين مطربى الشعبى موهوبون نحتلف حول ما يقدمونه، لكن وارد أنهم لو وجدوا فرصة أن يقدموا أفضل مما هو موجود.
عموما لقد تنوعت ردود الفعل على المهرجانات لدرجة أن البعض كان ضدها، و لما تصاعدت الحملات هاجموا نقابة الموسيقيين والنقيب بصور قديمة فى أفلام المهم انطبقت نظرية جحا والحمار.
نفس الأمر مع المطرب الممثل المستفز الذى دعا البعض لمقاطعته، وأقاموا له مهرجان مقاطعة ساهم فى مضاعفة مكاسبه. لأنه فى عالم السوشيال ميديا، الشتيمة والهجوم يساهمان فى الدعاية مثل التأييد، ولهذا من هاجموا المطرب الممثل ساهموا فى الدعاية بنفس ما فعل المصفقون..
ببساطة لأن من قادوا حملات المقاطعة، ينشرون صورا وفيديوهات وهو ما يجعل الدعاية مستمرة. ثم إن البعض يطالب بمنع هنا، ويرفض المنع هناك، بينما لم يثبت أن المنع كان مفيدا فى ظل السماوات والاتصالات المفتوحة.
«السوشيال ميديا» تصنع نجوما وتهدم آخرين، بقوانينها وليس بقوانين الأفراد، وهذه المعارك توفر دخلا وأموالا وإعلانات لأدوات مثل يوتيوب وفيس بوك وجوجل وانستجرام. وبالتالى تستفيد مباشرة، ويستفيد النجوم أيا كانوا طالما نجحوا فى تقديم ما يصنع مشاهدة، وتريند، تستفيد ممن يهاجمون ومن يدافعون، لكنها تضاعف أرباحها، لكنها تقف عند المنع. بمعنى أنه مسموح لك أن تشارك فى التريند وتصنعه قبولا أو رفضا، يكسب من يعمل بقوانينها، ويخسر من يعاند هذه القواعد. وبالتالى أنت الذى يصنع التريند فى كل الأحوال.