السنة النبوية المطهرة هى المصدر الثانى للتشريع الإسلامى بعد كتاب الله تعالى، وهى وحى من الله تعالى بنص القرآن الكريم الذى قال: «وما ينطق عن الهوى» والسنة النبوية هى الحكمة المذكورة فى قول الله تعالى: «كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ»، وهى داخلة فى مفهوم الذكر الذى تكفل الله بحفظه إلى يوم القيامة فى قوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ».
ولقد كان حفظ السنة المطهرة يتم على نمط فريد لم يحدث أو يتكرر فى تاريخ البشرية كلها، حيث ألهم الله تعالى علماء الإسلام بعلوم التوثيق والحفظ التى اشتملت على فنون صيانة أسانيد الأحاديث من الدس أو الوضع أو التحريف، فلا يوجد قول ولا فعل ولا تقرير لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا وهو محفوظ تمام الحفظ، حيث قامت حول الإسناد علوم كثيرة يستحيل معها استحالة تامة ضياع شىء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو زيادة حرف لم يقله النبى صلى الله عليه وسلم، فهناك علم الجرح والتعديل الذى يميز ثقات الرواة عن ضعفائهم عن وضاعيهم، وهناك علوم تواريخ البلدان التى دخلها الرواة ومن أشهرها كتابى تاريخ مدينة بغداد وتاريخ مدينة دمشق إلى غير ذلك من العلوم، ومن ثم فقد باءت كل محاولات الدس والتحريف التى بذلها الزنادقة والقصاص بالفشل الذريع، روى ياقوت الحموى فى معجم الأدباء أن هارون الرشيد قدم بين يديه زنديق، لأنه يضع أحاديث مختلقة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال له الزنديق: لم تضرب عنقى يا أمير المؤمنين؟ قال: أريح الناس منك، قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما فيها حرف نطق به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فأين أنت يا عدوّ الله من أبى إسحاق الفزارى وعبد الله بن المبارك ينخلانها نخلا فيخرجانها حرفا حرفا.
فنظام توثيق السنة عند علماء المسلمين مفخرة للمسلمين، بل للإنسانية بأسرها لأنه فى النهاية نتاج علمى بشرى استفاد منه المسلمين وغيرهم فى علوم توثيق الأخبار ونقلها، وهو نظام محكم متين دقيق لا مثيل ولا نظير له فى تاريخ الأمم، بحيث لا يعرف إنسان فى تاريخ الإنسانية وثقت أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته وصفاته بالإسناد المتصل الموثق مثلما عرف ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله قيد للسنة حراسا وجنودا قضوا حياتهم فى الرحلة والانتقال وبذلوا أقصى ما يمكن من جهد خارق لأجل صيانة السنة النبوية المطهرة، وهذا إعجاز كبير يحاول بعض المدعين الآن أن يهون من شأنه أو أن يطمس الحقائق الدامغة فيصور أن نقل السنة المطهرة لم يبذل فيه أى نوع من التوثيق اللهم قول المحدثين «رجل عن رجل»، وهذا الكلام أقل من أن يوصف بأنه نتيجة خطأ فى البحث، بل هو تجاهل للواقع وإنكار للحقائق وجهل بالتاريخ، لقد وضع مدونو السنة الشريفة شروطًا قاسية لكتبهم، ومن أقوى هذه الشروط وأشدها شرط الإمام البخارى فى صحيحه الذى اشترط فيها فوق وثاقة الرواة والتيقن من صدقهم وشدة ضبطهم أن يثبت لقاء الأشياخ وتحمل بعضهم عن بعض ثبوتا يقينيا ينفى أية شبهة أو احتمال فى اتصال الإسناد، وهذا الشرط معلوم عند علماء الحديث أنه شرط لزيادة الصحة والطمأنينة وليس شرطًا فى الصحة نفسها، وأيضًا فمما يروجه الذين جهلوا حقيقة توثيق السنة المطهرة ولا يفتأون ذكره فى كل مناسبة أنها مجرد أحاديث آحاد مرددين على العامة مصطلح «حديث الآحاد» دون شرح أو توضيح، وهذا التصرف ليس شيئا إلا أنه عبث بالمصطلحات التى لا يدرى عنها كثير من الناس شيئا إلا أهل التخصص فقط، ولست أدرى هل جهلوا أو تجاهلوا أن أحاديث الآحاد هى أحاديث قوية وصحيحة وبلغت درجة عالية من الصحة، لكن لا تصل إلى حد التواتر، فيأتى بعضهم يردد مصطلح أحاديث الآحاد ليوهم السامع أو القارئ أنه حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر مناف للنزاهة العلمية التى تقتضى منا تفسير المصطلحات للسامع والقارئ لا إلقاءها بشكل مبهم عشوائى يؤدى إلى فهمها على غير وجهها، ويوقع القارئ والسامع فى اللبث والحيرة، إن البحث العلمى بل والنقد العلمى حق أصيل لكل باحث منصف نزيه يتجنب فى خطوات بحثه الغرض والهوى، وأول من مارس النقد النزيه تجاه علم الحديث هم المحدثون أنفسهم فلقد مارسوا النقد الذاتى منذ أربعة عشر قرنا من الزمان، وما من كتاب صنف ولا إسناد روى ولا راوٍ تحمل الحديث أو أداه، إلا وتعرض للفحص الشديد والنقد العلمى الموزون.
إن الكلام العشوائى المبنى على العاطفة والتسرع والمواقف المسبقة أو على كلام مستشرقين مغرضين لا ناقة لهم ولا جمل فى علوم الحديث والسنة، أمر تأباه قواعد البحث العلمى العادلة المنصفة، وليس من أغراض البحث العلمى الجاد تشكيك الناس فيما بين أيديهم من حقائق وعقائد وعبادات وسنن.
وأخيرًا فإن المؤسسات الدينية كالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية وسائر مؤسساتنا الدينية ونتيجة لجهود كبيرة من البحث تمثلت فى آلاف من رسائل الماجستير والدكتوراة تطمئن المسلمين تماما أن ما بأيدينا من كتب السنة المطهرة خاصة الكتب الصحاح الستة الأصول البخارى ومسلم والترمذى وأبو داود وابن ماجه والنسائى، هى كتب صحيحة متقنة موثقة النسبة تماما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحمل لنا أقواله وأفعاله الشريفة حتى تيسر علينا الاقتداء بنوره الشريف.
عدد الردود 0
بواسطة:
Ali
نحتاج للمزيد
أخي الكريم د/إبراهيم، إن المسؤولية عليكم لكبيرة في إيضاح صحيح الفهم عن القرآن والسنة لكافة المسلمين بصفة خاصة، ولعامة الناس في كل دول العالم بصفة عامة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وأرجو من سيادتكم عمل كتاب أو عدة كتب تقومون فيها بسرد التفسير والأحاديث بما هو راجح ومجتمع عليه فيما يسمى بالإجماع دون الدخول في آراء المذاهب المختلفة حتى يتسنى للقاريء قليل الخبرة في العلم أن يعرف صحيح دينه. أما بالقول بمختلف أراء الفقهاء وأراء مختلف رواة الحديث في هذا وذاك سيجعل ذهن القارئ مشتت وهو غير دارس لهذه الأمور. جزاكم الله عنا خير الجزاء