رحيل الرئيس الأسبق حسنى مبارك، يطوى صفحة من تاريخ مصر، لا تغلق باب القراءة والتفاعل، من أجل المستقبل ومن دون التوقف عند الماضى. لقد تم الفصل بين مبارك القائد العسكرى الذى شارك فى نصر أكتوبر ومثل جزءا لا يمكن تجاهله من التاريخ، عن الصورة التى ترسخت سياسيا من خلال النظر إلى رئيس حكم مصر طوال 30 عاما، وقبلها 6 سنوات نائبا للرئيس السادات. والتاريخ ليس ملكا لفرد أو فصيل لكنه تفاعل مستمر ومتصاعد ربما يتطلب نظرة من زوايا متعددة.
وكالعادة كان رحيل الرئيس الأسبق مناسبة لتجدد الجدل حول الرجل، لكنه اليوم بعد أكثر من 9 سنوات على الزلزال الذى واجه مصر، فقد واجه مبارك محطات متعددة، اختلفت مع مرور الوقت وتغير الظروف، ولا يمكن تجاهل التحولات التى جرت فى سوريا وليبيا والعراق واليمن كما انتهى له الحال فى مصر، تغيرت وجهات نظر بعض الذين شاركوا فى 25 يناير، بناء على معطيات جديدة وتأمل لما جرى فى المنطقة.
كالعادة تبدو الصورة على مواقع التواصل غير حقيقية، تحكمها المشاعر، والمبالغة سلبا أو إيجابا، عدد قليل يعلن موقفا أو وجهة نظر، والباقى يسير خلف وجهات جاهزة، من دون تفكير، وتسود الخلافات الحادة التى لا يمكن اعتبارها نقاشا بقدر ما تمثل استقطابا ظاهرا.
المفارقة أن الذين عارضوا حسنى مبارك أثناء حكمه، كانوا أكثر وضوحا فى رؤيتهم تجاه رحيله. فهؤلاء يفصلون بين مبارك القائد العسكرى والرئيس الذى حكم 30 عاما. وأنه لا يمكن تجاهل دور مبارك فى نصر أكتوبر 1973 ودوره فى إعادة بناء القوات الجوية والطيران بعد تدميره فى هزيمة يونيو، وأن مبارك حاز كقائد عسكرى ثقة الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات. ولهذا كانت الجنازة العسكرية. مع الأخذ فى الاعتبار أن المؤسسة العسكرية هى نفسها التى انحازت للشعب فى 25 يناير وفى 30 يونيو، بشكل واضح.
أما التقييم السياسى فإن مبارك حكم مرحلة طويلة، وبعد تنحيه ظهرت تفاصيل علاقات مصر الإقليمية والدولية، وأن النظام التزم بمصالح مصر الإقليمية والدولية ولم يثبت أنه تراخى أو فرط فى هذا الملف، ونفس الأمر فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب. وتبقى الخلافات مع سياسات اتبعها الرئيس الأسبق والحزب الوطنى تتعلق بتردى التعليم والصحة، وغياب العدالة فى توزيع عوائد النمو. وأيضا العجز عن توظيف الاستقرار فى إقامة نظام سياسى متعدد يسمح بالسباق الديموقراطى، وترك فراغا مكن المتطرفين وتنظيم الإخوان من السيطرة على النقابات والعمل السياسى، ورحل وكان الإخوان هم الفصيل الأكثر تنظيما فيما فشل الحزب الوطنى فى حماية النظام.
وبعيدا عن استقطاب صبيانى يمارسه البعض على صفحات التواصل الاجتماعى «باللايك والبلوك»، فإن النظر إلى المستقبل يرى أن الانتقال لنظام ديمقراطى وعدالة ومواجهة الفساد يتم بالتدرج، وأن الإصلاح والتغيير يتجاوز التصفيق أو الانتقام، وهو سلوك لم يثمر ولم ينتج تغييرا. فلم يكن حسنى مبارك شخصا لكنه نظام وطريقة تفكير، والتغيير أكثر من مجرد مظاهرة أو حنجرة أو بوست فيس بوك. وأن الثورة لا تعنى هدم الدولة، أو إدارة السلطة بطمع وغباء، مثلما فعل الإخوان، والذين يظلون عند جدل الماضى يضيعون الحاضر والمستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة