مع الزيادة الكبيرة فى حالة الزخم حول انتشار فيروس "كورونا" القاتل، والمخاوف الكبيرة المرتبطة بانتقاله إلى العديد من مناطق العالم، يتصدر الحديث حول الإجراءات التى تتخذها الحكومة المصرية لمجابهته، على مواقع التواصل الاجتماعى، سواء فى المطارات أو حتى فى مناطق التجمعات الكبيرة، سواء المدارس أو الجامعات أو غيرها، بينما طغت بعض الشائعات على الفضاء الإليكترونى، مصدرها عناصر تنظيم "الإخوان" الإرهابى القابعين فى أنقرة بحماية الديكتاتور رجب طيب أردوغان، حول وجود مصابين، وهو الأمر الذى أصبح بمثابة "عرفا" على صفحات الانترنت، مع كل كارثة إنسانية، وهو ما يمثل أحد أنواع "الإرهاب" الفكرى، الذى تقوده "ميليشيات" إليكترونية، بينما ينساق لها قطاع من المواطنين مما يساهم فى انتشارها كـ"النار فى الهشيم".
ولعل الحديث عن انسياق البعض وراء الشائعات التى يطلقها "قطعان السوشيال ميديا"، والذين يحاولون التغطية على فشل أنقرة فى مجابهة الفيروس القاتل، خاصة بعدما أثير حول احتجاز السلطات التركية لـ12 شخصا مشتبه فى إصابتهم بالفيروس القاتل، فى انعكاس صريح لعجز السلطات التركية على احتواء تفشى المرض، مما يمثل تهديدا صريحا للمواطنين الأتراك، والذين يعانون كثيرا جراء أزمات متلاحقة، بين اقتصاد متراجع لدرجة الانهيار، وانقسام سياسى عنيف بسبب سياسات الحكومة فى الداخل والخارج، لتضع المخاوف جراء تفشى كورونا بمثابة ضغطا جديدا على كاهل المواطن فى تركيا.
إلا أن الحكومة التركية أبت أن تقوم بدورها فى معالجة أزمتها فى الداخل، لتتجه بدلا عن ذلك نحو استهداف مصر، عبر تجنيد ميليشياتها الإليكترونية لبث الشائعات حول وجود مصابين فى مصر بالفيروس القاتل، فى إطار ما يمكننا تسميته بـ"الإرهاب الفكرى"، فى محاولة لزعزعة استقرار المجتمع، عبر تقويض ثقة المواطن المصرى فى الإجراءات التى تتخذها الحكومة، لتجد تلك المحاولات لدى قطاع من المواطنين، والذين يتجهون بدورهم لمشاركة "بوستات" مغرضة، من شأنها التشكيك فى الخطوات التى اتخذتها الحكومة لتأمين البلاد تارة، أو للسخرية من المسئولين تارة أخرى، لتثور العديد من التساؤلات حول دور المواطن، سواء فى مواجهة تلك المحاولات، أو على نطاق أوسع فى مواجهة الكارثة نفسها، فيما يمكننا تسميته بـ"ثقافة مواجهة الأزمة".
وتعد ثقافة مواجهة الأزمة لدى المواطن أحد أهم العوامل الداعمة للجهود التى تبذلها الدولة، خاصة وأن الإجراءات الرسمية لا يمكن أن تكون كافية بأى حال من الأحوال، خاصة إذا ما كان الحديث عن "فيروس" يمكن انتقاله من شخص لأخر فى الأماكن العامة والتجمعات، وهو الأمر الذى يصعب إدراكه بالكامل من قبل السلطات فى أى دولة، مهما بلغت إمكاناتها، وبالتالى تصبح المسئولية الأكبر ملقاة على عاتق المواطن، على عكس ما يروجه البعض بأنها مسئولية السلطات الرسمية فى المقام الأول.
فلو نظرنا إلى أزمة "كورونا" الراهنة، نجد أن ثمة حديثا متواترا على مواقع التواصل الاجتماعى، حول تأجيل الدراسة، بالمدارس أو الجامعات لتخفيف التجمعات خوفا من انتشار الفيروس القاتل، بين نجد ألاف المواطنين يتجمعون لساعات على المقاهى، يتبادلون فيها "أنابيب" الشيشة، سواء فى الليل أو النهار، بينما يسلون أوقاتهم فى منافسات هزلية خلال أدوار "الطاولة" التى لا تنتهى، متجاهلين أن المرض ينتقل بالنفس أو اللمس.
الأمر نفسه ينطبق على التعامل مع حملات الشائعات، والتى تهدف فى الأساس إلى زعزعة استقرار المجتمع، فى إطار حرب شاملة، تسعى لإثارة الهلع لدى المواطنين، وتقويض الثقة بين المؤسسات والمواطنين، بالإضافة إلى حملات السخرية التى يطلقها رواد "السوشيال ميديا" بين الحين والأخر بهدف التقليل من شأن الإجراءات التى يتم اتخاذها من قبل الحكومة لمواجهة الأزمة، وهو ما يعكس أن هناك حملة منظمة، مدعومة من تركيا والجماعات الموالية لها، ربما ينبغى أن يدركها المواطن العادى، خاصة وأنها تمثل امتدادا لحملات مشابهة واجهت المجتمع فى الماضى القريب، بينما يحاولون تكرارها سعيا وراء إعادة المشهد إلى الوراء بضع سنوات.
جهود الدولة وثقافة المواطن هما رهان كل طرف على الأخر، وبالتالى فإن النجاح فى احتواء الأزمات الكبير ينبغى أن يكون نتاجا لجهود مشتركة من الجانبين، بعيدا عن إرث التواكل على السلطة، الذى دام لعقود، خاصة وأن السنوات الماضية شهدت ثورة حقيقية لتغيير مفهوم الاعتماد الكامل على الدولة، عبر إجراءات، كان فيها المواطن بمثابة شريك حقيقى وفعال، لاستعادة مكانة بلاده سياسيا واقتصاديا، عبر إنقاذها أولا من "طيور الظلام" التى سعت للهيمنة على المشهد، ثم بعد ذلك عبر المساهمة فى النهوض الاقتصادى بعد سنوات من الركود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة