فى وقت من الأوقات، بدت قضية العشوائيات فى مصر قدرا يصعب تغييره، وكانت القاهرة تتحزم بعدد من المناطق العشوائية قابلة للزيادة والتوسع، كان الحديث عن العشوائيات يتم من كل التيارات السياسية مع مطالبات ومصمصة شفاه، والبرامج الفضائية تتحدث عن مشكلات سكان العشوائيات، وتصدر تصريحات موسمية انتخابية من دون تغيير فى واقع الحال.
وخلال السنوات الأخيرة، بدأت عملية تطوير ونقل للمناطق العشوائية وتم وضع جداول زمنية لإنهاء العشوائيات بشكل نهائى، وعندما تم الإعلان عن مصر خالية من المناطق العشوائية كان الأمر بين التصديق والاستحالة.
لكن ما جرى أنه تم بالفعل البدء فى تنفيذ عمليات جراحية لاستئصال العشوائيات وإقامة عمارات ومناطق إنسانية ينتقل إليها المواطنون لتتغير حياتهم، وقد عاد هذا الملف للأضواء بمناسبة زيارة الرئيس لمنطقة عزبة الهجانة، وهى إحدى المناطق التى ظلت منسية طوال عقود، ولو رجعنا لأرشيف الصحف سوف نكتشف أنها كانت تذكر فقط فى المناسبات الانتخابية، ثم تدخل حيز النسيان مرة أخرى، الآن تجرى عملية تطوير وتوصيل خدمات للمنطقة، ومدها بخدمات صحية وأمنية واجتماعية، وأبواب رزق للناس.
وعندما ظهرت الأسمرات بمراحلها المختلفة تعامل البعض باعتبار الأمر مجرد دعاية تنتهى مثل غيرها، لكن الأمر اتخذ خطوات جادة وواضحة ووجدنا أنفسنا أمام خطة واضحة تتكلف عشرات المليارات، ربما لا يعلم كثيرون حجم الأرقام التى تتعلق بنقل وتطوير العشوائيات فى القاهرة والمحافظات.
فى القاهرة وحدها، كان هناك 357 منطقة عشوائية خطرة غير آمنة تم رصد 32 مليار جنيه لها، وتقريبا انتهى الجزء الأكبر منها، ومناطق أخرى عشوائية على 152 ألف فدان، تكلفتها التقديرية 318 مليار جنيه، على عشر سنوات.
هناك مناطق مثلا إسطبل عنتر وتل العقارب وحكر السكاكينى وسور مجرى العيون، وأخرى فى بورسعيد أو الإسكندرية، حيث شهدنا غيط العنب ونقل المواطنين إلى مجتمعات آدمية، وأقل رقم تم إنفاقه على منطقة كان 900 مليون جنيه.
بالطبع فإن تطوير ونقل العشوائيات ومواطنيها إلى مجتمعات إنسانية كاملة الخدمات بمعنى وجود ملاعب ووحدات صحية ومدارس، ونقل عام يمكن لمواطنى هذه المناطق الانتقال من وإلى أعمالهم، كلها جهود لا تأخذ الكثير من الأضواء، بالرغم من أنها بالفعل تمثل أحد أهم إنجازات المرحلة سياسيا واجتماعيا، وقد تحققت بإرادة الدولة، وتصميم واضح من الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وحتى هؤلاء الذين كثيرا ما يطرحون أسئلة عن محل إنفاق الموازنة والأموال، لا يتوقفون كثيرا عند مبلغ يقترب من النصف تريليون جنيه تم إنفاقها لتطوير ونقل مناطق عشوائية ظلت على مدى سنوات تمثل عارا يصعب التخلص منه، لكن ما جرى أنه تم التحرك فى هذا الملف، بشكل بدا فى وقت من الأوقات شبه مستحيل.
وأكرر أن ملف تطوير العشوائيات من الملفات التى شهدت جهدا وإنفاقا ضخما، مع الأخذ فى الاعتبار أن تطوير العشوائيات يمثل إنجازا اجتماعيا لكونه يتجاوز نقل السكان إلى إقامة مجتمعات متكاملة وخدمات توفر للمواطنين حياة طبيعية وإنسانية.
وتمثل عملية نقل وتطوير العشوائيات نقلة مهمة فى تحرك الدولة لإزالة تراكمات عقود طويلة من الإهمال، وتؤكد أن هناك إمكانية للعمل الجاد، وتحقيق نتائج بعيدا عن الدعاية والإعلان.