ظهور ربما يكون الأخير لها، قبل أن تتحرر رسميا من واجباتها الملكية، آثرت ميجان ماركل أن يكون داخل إحدى المدارس الثانوية، للمشاركة في "اليوم العالمى للمرأة"، عبر زيارة مدرسة ثانوية، تحدثت خلالها للطلاب حول ضرورة الدفاع عن المرأة وحمايتها، وهو ما يمثل امتدادا صريحا لتوجهاتها، منذ ما قبل الالتحاق بالقصر الملكى في لندن، حيث إنها كرست مراحل طويلة من حياتها لترفع لواء "النسوية"، منذ أن كانت طفلة، لم يتجاوز عمرها 11 عاما، عندما أعربت عن احتجاجها على إعلان تجارى لإحدى الشركات، كان يحمل رسالة مفادها أن المرأة لا تصلح سوى للأعمال المنزلية، عبر رسائل بعثت بها لرئيس الشركة، وبعض النساء المؤثرات في المجتمع الأمريكي، وعلى رأسهم هيلارى كلينتون.
اهتمامات ميجان ماركل انصبت منذ ذلك الحين على كونها ناشطة، أحيانا تهتم بحقوق النساء، وأخرى تركز على الأقليات من ذوى الأصول الإفريقية، لتخوض العديد من المعارك، ربما كان آخرها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية في عام 2016، عندما وصفته بـ"المثير للانقسام"، حيث أعلنت حينها دعمها لغريمته الديمقراطية هيلارى كلينتون، وذلك قبل شهور من زواجها بالأمير هارى، والتحاقها بقصر باكنجهام، لتصبح منذ ذلك الحين دوقة ساسكس.
وبين الدوقة والناشطة، تتجلى بوضوح معضلة ميجان، تلك السيدة التي اعتادت التعبير عن توجهاتها، بينما وجدت نفسها خلف أسوار القصر، متقيدة ببروتوكولات الأمراء، وحسابات السياسة، بينما ينبغي أن تبتسم في وجه من تكرههم، وأن تكون كلماتها محسوبة، حتى لا تضع الملكة في موقف محرج سواء على مستوى الداخل البريطاني أو حتى أمام العالم، بسبب تصريح أو لفتة قد تصدر منها لا تتوافق مع التوجهات الملكية الصارمة.
ميجان فشلت أن تجد نفسها في حياة الأمراء، والتى حرمتها من التحليق بحرية لتعبر عما يجيش فى نفسها من رؤى وتوجهات، تجاه مختلف القضايا التي طالما وقفت للدفاع عنها، فنجدها آثرت الغياب عن المشهد أولا، في اللقاءات التي لا تروق لها، وأبرزها، على سبيل المثال زيارة الرئيس ترامب لقصر باكنجهام، قبل عدة أشهر، بسبب موقفها المعلن تجاهه، لتقرر بعد ذلك اعتزال "حياة الملوك"، لتنعم من جديد بحريتها التى افتقدتها منذ مشهد زواجها من الأمير هارى.
وهنا يمكننا القول بأن اختيار ميجان للمرأة ليكون الدفاع عنها بمثابة الدعوة الأخيرة لها قبل إنهاء علاقتها رسميا بـ"القصر"، هو بمثابة إعلان رسمى لعودتها من جديد إلى صفوف النشطاء، لتواصل رسالة بدأتها منذ مراهقتها، تقوم في الأساس على الدفاع عن المستضعفين، إلا أنها في الوقت نفسه تحمل في طياتها رسالة تعكس استحالة الجمع بين شخصية الناشطة، والتي ساهمت في إلهام الأمير الصغير الذى ربما وجد في تمردها صورة جديدة من أمه الراحلة ديانا، من جانب، وحياة الأمراء، بما فيها من تعقيدات السياسة والبروتوكول.
تجربة الناشطة ميجان ماركل تعكس أن ثمة تنافر بين الدور الذى يمكن أن يقوم به النشطاء والمتمثل في الدفاع عن فئات معينة داخل المجتمع، من جانب، وأى دور سياسى أو رسمي، من جانب آخر، في ظل متطلبات الأخير من حنكة تحتاج إلى رؤية الأمور بمنظورها الكلى، والمتمثل في مصلحة الدولة ومؤسساتها ومواطنيها بشكل عام، وهو الأمر الذى ينبغي أن يخضع لدراسة متأنية في العديد من الدول في المرحلة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة