لا تقاس نجومية الفنان بفنه فقط بقدر ما تقاس بقدرته على احتفاظه بآدميته ومقاومته لكل شرور النجومية التي تجتاح البعض وتمحي إنسانيتهم وتحولهم فقط لفاترينة جميلة تكتسب أموالا وتحقق نجاحات بلا روح.
يسرا
الأمر يبدو سهلا في نظر البعض لكنه بكل تأكيد واحدة من أصعب المعضلات التي تواجه الإنسان الذي يعيش داخل الفنان، والنماذج أمامنا كثيرة فهناك نجوم بلا روح ولا طعم يتهافت عليهم الجمهور ويلاحقوهم في الشوارع والطرقات لكنهم لا يشكلون أي تأثير علي وجدان البشر وهو الهدف الأساسي من الفن الذي يسمو بالروح ويشكل الوجدان ويرقق القلوب إضافة بالطبع لوظيفته كترفيه أو تسليه بالمعني الجاد وليس بالمعني الساذج غيرالمنصف للمجهود الذي يبذله الفنان.
في رأي أهم الأسباب التي جعلت نجوم زمن الفن الجميل في تلك المكانة في قلوب الجمهور إن لديهم مخزون كبير من المشاعر الإنسانية والحياتية التي اكتسبوها من الحياة وسط البني اميين الحقيقيين تجعلهم قادرين علي التلون مستخدمين هذا المخزون في تمثيل أدوراهم العظيمة.
يسرا
النجمة المخضرمة يسرا هي واحدة من أبرز النجمات في مصر والوطن العربي ممن استطعن الحفاظ علي تلك الشعرة بين النجم وإنسانيته ومشاعره تلك المشاعر التي تجعلها تشعر بغيرها ممن حولها وهو المخزون الأساسي الذي يستدعيه الفنان في تجسيد الشخوص التي يقدمها علي الشاشة وألا تظهر الشخصيات مفرغة بلا روح.
يسرا
أبرز ما يميز يسرا وهنا لن اتحدث عن فنها فما قدمته خلال مسيرتها قادر علي الحديث عنها بشكل ربما أبلغ مما قد يقال، لكني الجانب الإنساني الذي قد لا يراه سوي المحيطين بها هو الذي أفضل الحديث عنه، فهي الحلوة شكلا ومضمونا وبنت الأصول الجدعة التي تجدها في ظهرك دون كلل.
في أحد الأيام كنت حاضر لكواليس تصوير مسلسل "هبة رجل الغراب" واثناء جلوسي مع الصديق " الدكتور احمد فريد" وهو يستعد للتصوير ويقوم مصفف الشعر بتصفيف شعره بما يتناسب مع شخصيته بالمسلسل، دار حوار بيني وبينه عن الفن وحال الفنانين وصادف الحديث ذكر اسم يسرا، لنفاجئ بمصفف الشعر يدخل في الحوار ويدلي بشهادته في حق يسرا ذاكرا موقف لا يخرج إلا من فنانة بالمعني الحقيقي، حيث روي أنه كان مشارك في أحد المسلسلات من بطولة يسرا، وكالعادة وكما يعرف كل من يعمل في مجال تصوير المسلسلات أو الأفلام فالتحضيرات تحتاج إلي وقت طويل قبل تصويرالمشهد وفي بعض الأحيان يتكبد صناع العمل ارهاق شديد بالعمل تحت ضغط حرارة الجو أو برودته وهو ما كان يواجه صناع المسلسل.
يكمل مصفف الشعر أن اليوم كان حارا جدا وتأخر التصوير نتيجة التحضيرات التي تطلبت وقت أطول من اللازم، في ذلك الوقت كانت سيدة من "المجاميع" أو كما يطلق عليهم من الكومبارسات الصامتة، تنتظر بدء التصوير ومعها طفلتها التي أرهقها الحر وبدأت تجوع وتعطش ولكن الوقت لا يسعفها لمغادرة مكان التصوير، فبكت الطفلة بشدة وسمعتها يسرا وهو ما دفعها للخروج من غرفتها لمعرفة سبب بكاء الطفلة، وعندما عملت أصرت على انتظار السيدة لحين اطعام طفلتها وانتظرتها حتى تجهز لتشاركها في تصوير المشهد وكان علي قلب يسرا "زي العسل".
ربما القارئ لهذا الموقف يجده موقف انساني عادي وبسيط، لكن الحقيقة ان هذا الموقف في ظل صناعة تدر أموالا ووقت ضيق "ونهار بيقع" بلغة السينمائيين وصناع الدراما لا يتكرر كثيرا فماكينة العمل تلتهم الكثير من الإنسانيات داخل صناع هذا المجال إلا من حافظ علي هذا الجزء بشكل فردي، لذا تجد المجاميع يعانون كثيرا والنجوم أيضا ممن يواصلون الليل بالنهار ويعملون تحت ضغوط شديدة قد ينسون فيها النوم وتكون الكلمة العليا هي للمكسب والخسارة وعدد الساعات التي تم تصويرها وما تبقي من مشاهد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة