حسين يوسف

كن صادقا وارتدي ثوب الحقيقة.. ولكن تجَمَّل

الأحد، 15 مارس 2020 10:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يجادل أحد في أن الحقيقة هي مصباح منير لأي طريق يبتغي من ورائه الوصول إلى حلول لأي مشاكل أو أزمات، وأن المكاشفة هي أفضل الوسائل لتجاوز أي صعوبات.
 
لكن رغم ذلك فإن الحنكة والخبرة هي التي تحدد طريقة وكيفية المكاشفة بالحقيقة لتجنب أي صدمات قد تؤدي إلى نتائج عكسية علي غير المراد منها، فهناك فرق شاسع بين أن تقذف النصائح والأوامر الصارمة لمجابهة خطر ما في وجه أحد، وأن تعطي له ذلك داخل باقة ورد، فالأكيد أنه سينفذ الأوامر والنصائح في الحالة الثانية بشكل أقوى، وبروح معنوية أعلى تحقق النتائج المرجوة.
 
هناك فرق بين رجل سياسة يدرك جيدا دوره المنوط به، ويعلم تماما أن كل لفظ أو حرف ينطق به سيؤثر حتما فى ملايين المواطنين من أبناء جلدته، وبين رجل وضعته الأقدار على كرسى السياسة فى بلده دون أن يكون الأفضل سياسيا وقياديا، والأمثلة كثيرة عن هذا وذاك فى كافة ربوع العالم.
 
مثلا المؤتمر الصحفى الذى عقده الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، السبت ، كان من أنجح المؤتمرات الكافية الوافية حيث اتسم بالشفافية والوضوح، وسرد مدبولي أمام المواطنين الأسباب التى دفعت الدولة إلى اتخاذ العديد من القرارات الهامة والمؤثرة فى مواجهة فيروس كورونا، وتوقيت هذه القرارات، وأكد بمنتهى الوضوح أن الحكومة نفذت توجيهات الرئيس السيسى بعد أن بدأت أعداد المصابين فى الزيادة، ولذلك كان التصرف الفورى لحماية وسلامة أبناء الشعب.
 
كما طالب مدبولى من المواطنين ضرورة الحيطة والحذر وعمل كل ما من شأنه السيطرة على الفيروس، وعمل الاحتياطات اللازمة للحد من انتشاره، كما أكد " بمنتهى الهدوء والعقلانية" أن الحكومة لديها 3 خطط لمواجهة انتشار الفيروس "لاقدر الله" ، مطمئنا فى الوقت نفسه المواطنين بأن مصر لاتخفى أى أرقام عن عدد الإصابات، كما أننا والحمد لله حتى الآن لا نعد من الدول الموبؤة.
 
ما فعله مدبولى يؤكد أنه رجل دولة من الطراز الرفيع، يعلم تماما أن كل كلمة يدلى بها سيتلقفها أبناء الشعب بلهفة ليرووا بها ظمأهم إلى المعرفة، وإلى أى مدى تدرك الحكومة أزمة فيروس كورونا وهل تستعد له أم لا؟
 
على النقيض تماما استنكر العديد من المراقبين والمحللين بل ورواد مواقع التواصل مافعله بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، الجمعة، عندما انبرى فى مؤتمر صحفى عن فيروس كورونا بتصريحات أثارت ذعر وفزع البريطانيين، بل والعالم أجمع، حيث خاطب جونسون مواطنيه بالاستعداد "لفقدان أحبائهم قبل الأوان". مؤكدا أن عدد الحالات التى ستصاب بالفيروس سيرتفع بشكل حاد، والواقع أن العدد الحقيقي للحالات أعلى - ربما أعلى بكثير- من عدد الحالات التي أكدناها حتى الآن عن طريق الفحوصات".
 
ما قاله جونسون أدخل الرعب والخوف فى نفوس البريطانيين، وكان مثالا للتشاؤم والنظرة السوداوية للأمر، بل ويقتل كل بارقة أمل قد يتمسك بها المواطنون وتعطيهم القدرة على مقاومة الفيروس.
واعتبر كثيرون أن ما قام به جونسون شفافية جانبتها الحنكة والصواب، فمثلا ألف باء الحكمة تقول أن الحالة المعنوية العالية لأي شخص هى المحفز الأول لزيادة مناعة الجسم ضد الأوبئة والفيروسات والأمراض، والأطباء يؤكدون أن حائط الصد الأول لمقاومة فيروس كورونا هو المناعة القوية، فكيف يتم بث هذا الكلام المحبط الذى يقتل الأمل ويجعل البريطانيين بل والكثير من سكان العالم فى أدنى حالاتهم المعنوية، وهو الأمر الذى يعزز من انتشار الفيروس، ويقلل من جهود احتوائه والسيطرة عليه.
 
هذا هو الفارق بين رجل سياسة ودولة يدرك جيدا دوره وما يقوله أو لا يقوله بما لايخل بالشفافية، وبما يصب فى مصلحة مواطنيه، ورجل دولة أخر جانبه الصواب وتخلت عنه الحكمة عندما قذف بالحقائق مجردة في وجه مواطنيه فأصابت روحهم المعنوية بالإحباط والذعر.. فكن صادقا وارتدي ثوب الحقيقة والشفافية ولكن تجمل.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة