خالد ناجح

بالعلم نستطيع

الإثنين، 16 مارس 2020 07:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تؤكد الكثير من المصادر أن مفهوم إدارة الأزمات Crisis management يعود إلى ستينيات القرن الماضى، عندما اشتعلت أزمة حادة بين الاتحاد السوفيتى «سابقاً» والولايات المتحدة الأمريكية حول وجود صواريخ نووية فى كوبا، كادت تشعل فتيلاً للحرب العالمية الثالثة، وقد انتهت تلك الأزمة بالحوار والتهديد والترغيب والوعيد وتم عقد صفقات فى الخفاء.
 
وحال انتهاء تلك الأزمة الخطيرة، أعلن وزير الدفاع الأمريكى فى حينه (ماكتمارا) انتهاء عصر «الاستراتيجية»، وبدء عصر جديد يمكن أن نطلق عليه «عصر إدارة الأزمات».
 
منذ ذلك التاريخ بدأ اتجاه جديد يتعامل مع المواقف الصعبة من خلال مجموعة من القواعد أو المبادئ أو التوجهات أطلق عليها أحياناً «فن إدارة الأزمات» أو «سيكولوجية إدارة الأزمات» أو «سيناريوهات إدارة الأزمات».
 
لو كتبت على «ويكيبديا» إدارة الأزمة سيخرج لك تعريفها إدارة الأزمات (بالإنجليزية: Crisis Management) الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث، ولا يخفى على المتابع لسير الأحداث بخاصة السياسية منها ما للأزمات بكل أنواعها من دور فى تاريخ الشعوب والمجتمعات سواء على صعيد الهدم أو البناء، وبقراءة متأنية لدور الأزمة بشكل عام يفضى بنا إلى تلمس خيط يقودنا إلى حقيقة مفادها أن المجتمعات التى اعتمد الهرم القيادى فيها على فرق خاصة ولديها الكفاءة فى التعامل مع الأزمات كانت أصلب عوداً وأكثر على المطاوعة والاستمرار من قريناتها التى انتهجت أسلوباً مغايراً تمثل بالتصدى المرتجل والتعامل بطرق غير مدروسة سلفاً مع بؤر الصراع والتوتر ما أدى بالتالى إلى ضعفها وتفككها.
 
التخطيط متطلب أساسى مهم فى عملية إدارة الأزمات، حيث إن أفعالنا ما هى إلا رد فعل، وشتّان ما بين رد الفعل العشوائى ورد الفعل المُـخطط له، فمعظم الأزمات تتأزم لأنها أخطاء بشرية وإدارية وقعت بسبب غياب القاعدة التنظيمية للتخطيط فإن لم يكن لدينا خطط لمواجهة الأزمات فإن الأزمات سوف تنهى نفسها بالطريقة التى تريدها هى لا بالطريقة التى نريدها نحن. 
 
ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن التدريب على التخطيط للأزمات يُعد من المسلّمات الأساسية فى المنظومات الناجحة، لمساهمته فى منع حدوث الأزمة أو التخفيف من آثارها وتلافى عنصر المفاجآت المصاحب لها. أيضاً يتبين لنا أن التخطيط يتيح لفريق عمل إدارة الأزمات القدرة على إجراء رد فعل منظم وفعّال لمواجهة الأزمة بكفاءة عالية والاستعداد لمواجهة المواقف الطارئة غير المخطط لها التى قد تصاحب الأزمة.
 
وهنا مصر أخذت بالأسلوب العلمى فى الأزمة الأخيرة للطقس السيئ، فمن ناحية التنبوء قامت هيئة الأرصاد بالتنبوء على الأسس العلمية الحديثة، ومن هنا جاء الدور الحكومى الذى تعامل مع هذه المعلومات فى عملية إدارة الأزمات من خلال إدارة سبّاقة، وهى الإدارة المعتمدة على الفكر التنبؤى الإنذارى لتفادى حدوث أزمة مبكراً عن طريق صياغة منظومة وقائية مقبولة تعتمد على المبادأة والابتكار. وحسب تأكيد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى وجّه كل قطاعات الدولة بالعمل على مواجهة موجة الطقس السيئ، والقوات المسلحة المصرية تساعد بمعدات، أيضاً وفى غرفة العمليات تابع رئيس الوزراء أوضاع المحافظات بالفيديو كونفرانس والاستماع لتقارير المحافظين حول جهود مواجهة الطقس السيئ.
 
الأمر لم يبدأ بالطبع مع الأزمة بل كان قبلها العمل على تدريب العاملين على التعامل مع مثل هذه الأزمات، ومن هنا نجحت الإجراءات التى اتخذتها الدولة المصرية لمواجهة الطقس السيئ، سواء من حيث التحذير المبكر أو تجهيز الوزارات المعنية لجميع الإجراءات لمواجهة الأمطار الغزيرة.
 
اجتمع مجلس الوزراء واتخذ عدة إجراءات احترازية من ضمنها إجازة الخميس الماضى وظهرت الحاجة لبلورة وتنفيذ برامج توعوية وقائية وعلاجية وهذا تم فى أزمة «كورونا المستجد».
 
كان واضحاً فى الأداء الحكومى هذه المرة أنها قامت بتطوير نظامها الإدارى بداية من التعرف على المشكلات وتحليلها ووضع الحلول لها بالتنسيق مع الكفاءات المختصة فى كل الوزارات، بداية من دعوة الدكتور مصطفى مدبولى المواطنين بضرورة الالتزام بالمنازل والابتعاد عن أعمدة الإنارة، فى ظل سوء الأحوال الجوية بمختلف محافظات الجمهورية، مروراً بتواصله على مدار الساعة مع المحافظين والمسؤولين لمتابعة الأوضاع لحظة بلحظة، وهذا ما لم نتعود عليه من شفافية ووأد للشائعات أولا بأول، فى الوقت نفسه كان كل المسؤولين فى الدولة يعملون على قدم وساق، وفى كل شارع كان يوجد مسؤول للمتابعة لحظة بلحظة.
 
أيضاً وفى ظل انشغال أجهزة الدولة بالأزمة وتخصيصها أرقام شكاوى للمواطنين فى كل القطاعات الخدمية، كما وجدنا رئيس الوزراء يصرّح مع زيادة الأمطار بأنه سيتم تخفيض المياه وقطعها لفترة من وقت لآخر، قائلا: «أرجو من المواطنين أن يعذرونا».
 
على الجهة الأخرى كان هناك من ينتظر شعار «مصر تغرق فى شبر ميه» والذى كان جاهزاً لغزو مواقع التواصل الاجتماعى وقنواتهم المدفوعة لهز الثقة بين الشعب والحكومة.
 
الشعب المصرى لم يعطهم الفرصة وتوالت ردود الأفعال التلقائية بالإشادة بالأجهزة والمستوى المتقدم الذى وصلنا إليه بالعلم والشفافية، فكل شيء كان يذاع من غرفة عمليات رئاسة الوزراء على الهواء.
 
وهنا لابد أن نختم بمسك الختام، عن حماة الحدود الذين لا يهابون الموت ويحموننا تحت كل وأصعب الظروف، ومع الطقس السيئ وفى الأمطار كانت يدهم تضرب من حديد القتلة الإرهابيين، وأتحدث هنا عن مقتل «فارس الأنصارى» أخطر قيادى داعشى بسيناء، وأمير التنظيم برفح والمخطط للعديد من العمليات الإرهابية التى ارتكبت فى الآونة الأخيرة داخل سيناء. الذى تم قتله على يد قوات الجيش، الذى أكدت مصادر قبلية أن قوات الجيش تمكنت من حصار القيادى الداعشى داخل وكر اختبائه بمنطقة العجراء جنوب رفح، حيث بادر بإطلاق النيران على القوات التى بادلته إطلاق النار وأردته و5 من مرافقيه قتلى.
 
ولأن كل تلك الجهود المبذولة باحترافية لمسها كل مواطن مصرى أصيل، فقد جاءت كلمات الشكر والثناء لأبطال إدارة تلك الأزمة من أعلى سلطة وهو الرئيس عبد الفتاح السيس»، الذى قال فى كلمته: «لقد أثبت المصريون حكومة وشعباً، على مدار الساعات الماضية، قدرتهم القوية ومعدنهم النبيل فى التعامل مع الاضطرابات الجوية التى اجتاحت البلاد.. فقد أدارت الدولة بأجهزتها التنفيذية ومؤسساتها الأمنية مشهداً بالغ التعقيد إزاء ظروف مناخية ليست معهودة على بلادنا.
 
الشكر كل الشكر للمسؤولين والأفراد الذين اقتضت المسؤولية منهم متابعة الوضع واحتواء آثاره البالغة، ميدانياً من قلب الحدث.
 
ولا يسعنى سوى الفخر بمعدن الشعب المصرى الأصيل الذى أظهر أفراده روح تعاون عالية، وفدائية وترابط، تقول بوضوح إننا سويا، يداً بيد.. أقوى من أى شىء.. كما أتقدم بخالص التعازى والمواساه لأسر الضحايا وبكل الأمنيات بالشفاء العاجل للمصابين».
ولا يسعنى بعد تلك الكلمات إلا تقديم التحية للأبطال ولكل يد تعمل لبناء مصر وحماية أبنائها.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة