عباس شومان

إجراءات التصدى للعدوى فى ميزان الشريعة

السبت، 21 مارس 2020 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من آن إلى آخر ينشغل العالم بأنباء ظهور فيروس يهدد صحة الناس وربما حياتهم، فمرة أنفلونزا الخنازير، ومرة أنفلونزا الطيور ومرة سارس، وتنشط وزارات الصحة، وتتوالى الإجراءات الإدارية المحددة للتنقل والسفر بين الدول، وتروج تجارة الأمصال والكمامات، نتيجة زيادة الإقبال طلبا للوقاية من الإصابة. ثم فجأة وبلا إعلان عن اكتشاف قاتل للفيروس يختفى ويختفى معه الضجيج، قبل أن يعلن عن فيروس جديد أشد خطرا وفتكا عن سابقيه، ولا يخفى على أحد تصدر كرونا المشهد الآن، حيث أعلن عن ظهوره فى الصين ثم سرعان ما أعلن عنه فى بلاد أخرى كثيرة، كما أعلن عن حالات إصابة ووفاة فى العديد من دول العالم، وهو ما جعل منظمة الصحة العالمية تعلن أنه تحول إلى وباء عالمى، ولكون صحة الناس وحياتهم يرتبط بها قوة وضعف الدولة واقتصادها ونموها وتطورها، تسارع الدول باتخاذ إجراءات وقائية بغية حماية مواطنيها يكون فى مقدمتها: تفعيل الحجر الصحى، ووضع قيود على الدخول والخروج من أراضيها، ومحاولة الحد من تجمعات الناس لكون الفيروسات تنتقل من المصابين إلى الأصحاء سريعا، ومن أهم الإجراءات التى تتخذها الدول ما يتعلق بالعبادات الجماعية، والحجر الصحى، وفى هذه الأحوال ينشط الإعلاميون فى التواصل مع العلماء والمسؤولين فى مجال الصحة للاستفسار عن حقيقة خطورة الفيروس وانتشاره وطرق الوقاية، والعلاج، وحالات الإصابة والوفيات.. والتواصل مع علماء الدين لأخذ الرأى الشرعى فيما يتخذ من إجراءات تتعلق بأمور العبادة كتعليق صلوات الجُمعة فى بعض البلاد، ووقف تأشيرات العمرة، وإغلاق الحرمين بعد أوقات الصلاة، وإخلاء صحن الطواف.. ومع شدة إيلام هذه الإجراءات وتقييدها لحريات الناس، وإيلامها لنفوسهم فيما يتعلق بتعليق الاجتماع للعبادات لاسيما إذا استمر لا قدر الله الأمر إلى موسم الحج، إلا أنه من الناحية الشرعية لا مشكلة فى اتخاذ أى إجراءات ضرورية يرى خبراء الصحة أنه لابديل عنها لحفظ صحة الناس وحياتهم، فحفظ حياة الناس من مقاصد شريعتنا الغراء، ولذا أمرنا كتاب ربنا بإبعاد أنفسنا عن موارد التهلكة «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما»، ومن قواعد شرعنا «لاضرر ولا ضرار»، «المشقة تجلب التيسير»، «الضرورات تبيح المحظورات».. وما يلزم لتحقيق حفظ حياة الناس يجب الأخذ به ولو كان متعلقا بعبادة من العبادات، فقد حرم الشرع الصيام على المريض مرضا يؤدى به الصوم إلى التهلكة، وكذا كبير السن الذى لا يقوى على الصوم، وأسقط عن الحائض والنفساء  الصلاة مدة العذر، وألزمهما تأجيل الصيام حتى الطهر، ولم يُلزم المسافر بصلاة الجمعة بل له أن يصليها ظهرا مع قصره، وكذا قصر العصر والعشاء، وفى حالات الخوف غيرت شريعتنا هيئة الصلاة المعهودة ليجمع المصلون بينها وبين مراقبة العدو وقتاله إن باغتهم وهم فى صلاتهم، وفى كتب الصحاح العديد من النصوص الدالة على جواز ترك الجمع والجماعات فى المسجد فى حال المطر الشديد وتضرر الطرق، وكان ابن عباس، رضى الله عنه، يأمر المؤذن بأن يقول: صلوا فى بيوتكم ولا يقول حى على الصلاة، ولذا عنون البخارى فى صحيحه «كتاب الجمعة» باب بعنوان: باب الرخصة إن لم يحضر صلاة الجمعة فى المطر، كما أن إجراءات الحجر الصحى الذى تتخذها الدول ليست بدعة ولا من مستحدثات عصرنا، بل عرفها شرعنا فى صدره الأول حين قال، صلى الله عليه وسلم، عن الطاعون وهو كل مرض معد يمثل خطورة على حياة الناس: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه»، وهذا هو المعنى الحرفى للحجر الصحى، وقد طبقه الصحابة فى عهد سيدنا عمر، رضى الله عنه، حين ظهر الطاعون بأرض الشام وكانوا على مشارفها فلم يدخلوها بعد أن شاور سيدنا عمر، رضى الله عنه،  المهاجرين والأنصار فاختلفوا حتى ذكر عبدالرحمن بن عوف، رضى الله عنه، أنه سمع الحديث السابق عن رسولنا، صلى الله عليه وسلم.
ومع أن الحجر الصحى عرفه إسلامنا، ومع أن الإجراءات المتعلقة بأمور العبادة لا تتصادم مع أحكامها، إلا أنه يجب عدم التوسع أو المبالغة فيها من دون حاجة وإنما يقتصر على ما تندفع به الحاجة ويحفظ صحة الناس وحياتهم، والذى يقدر هذا هو الجهات المختصة وليس آحاد الناس حتى لو كانوا من العلماء فى هذا المجال، لأن ما يتعلق بالجماعة لا يقرره إلا جهة مسؤولة، ولذا فإن علينا كمواطنين الالتزام التام بما يصدر من قرارات دون إبطاء ودون تشكيك فالمسؤولية الشرعية تتحملها الجهة المصدرة للقرار، ولا يعنى منع التجمعات للجمع والجماعات إسقاط الفريضة، فإذا علقت صلاة الجمعة وتعذرت صلاتها ولو فى جماعة محدودة على رأى من أجازها بالعدد القليل فى أى مكان صليت ظهرا، ومن الضرورى فى أوقات الابتلاء والمحن البعد عن ترويج الشائعات ونشر الأخبار الكاذبة التى تروّع الناس، ويلزم تجنب الجدل والخلاف الذى لا طائل منه، وإعانة المتضررين، ودعم جهود الدول والمؤسسات لمحاصرة الخطر وتقليل الخسائر. حفظ الله حياة الناس وصحتهم ودفع عنا البلاء والوباء وحمى بلادنا وسائر بلاد المسلمين.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة