المحافظة على ثروة مصر الثقافية، والعلمية، ليست أمرًا سهلا بكل ما يحتاج الأمر من تفكير وتدبير فى كيفية تحقيق هذا الهدف، وهذا ما دفع الخديوى إسماعيل "1863- 1879"، إلى إنشاء دار الكتب، فى مثل هذا اليوم من عام 1820م، والتى أصبحت ذاكرة الأمة، وبمثابة مكتبة عامة متاحة للجمهور.
الكتبخانة قديما
من أين جاءت الفكرة؟، كانت بدايتها عندما كان لدى الخديوى إسماعيل رغبة فى إنشاء "كتب خانة عمومية"، لجمع شتات الكتب من المساجد وخزائن الأوقاف وغيرها، لحفظها وصيانتها من التلف.
الخديوى اسماعيل
ولكن على مبارك كان له الفضل عندما اقترح على الخديو إسماعيل إنشاء دار كتب على نمط المكتبة الوطنية فى باريس، حيث أعجب بها حينما أرسل ضمن البعثة التى أُوفدت لدراسة العلوم العسكرية سنة 1844.
مبنى دار الكتب بباب الخلق
أعجب الخديو إسماعيل بما عرضه على باشا مبارك، مما نتج عن إصدار الخديو الأمر العالى رقم 66 بتأسيس الكتب خانة، فى سراى مصطفى فاضل باشا شقيق الخديو إسماعيل بدرب الجماميز لتكون مقراً للكتب خانة، وجعل لها ناظر وخدمة، وصار لها مفهرس من علماء الأزهر مسئول عن الكتب العربية، وآخر مسئول عن الكتب التركية، ونظمت لها لائحة وضعت أسس الانتفاع بها. وكانت النواة الأولى لمقتنيات الكتب خانة الخديوية نحو ثلاثين ألف مجلد، شملت كتب ومخطوطات نفيسة، جُمعت من المساجد والأضرحة و التكايا ومكتبتي نظارتي الأشغال والمدارس.
مبنى دار الكتب بباب الخلق
اتخذت دار الكتب عدة مسميات رسمية: فكان اسمها عند نشأتها سنة 1870 "الكتب خانة الخديوية"، ثم "دار الكتب الخديوية" (1892- 1914)، ثم "دار الكتب السلطانية" (1914– 1922)، ثم "دار الكتب الملكية" ( 1922- 1927)، ثم دار الكتب المصرية (1927- 1966)، ثم "دار الكتب والوثائق القومية" (1966- 1971)، ثم "الهيئة المصرية العامة للكتاب" (1971- 1993)، وأخيراً أطلق عليها "الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية" منذ (1993وحتى الآن).
بعد عشر سنوات من إنشاء المكتبة ضاقت الكتبخانة بمقتنياتها، ثم نقلت سنة 1889م إلى الطابق الأول (السلاملك)، من السراى نفسها، ومع تزايد رصيد الكتب خانة أصدر الخديو عباس حلمى الثانى فى سنة 1896 أمراً بنزع ملكية الأرض وتخصيصها لبناء الكتبخانة الخديوية عليها، ولكن هذا المشروع لم يتحقق.
وجاء الخديو عباس حلمى الثانى فى عام 1899 ليضع حجر الأساس لمبنى يجمع بين الكتبخانة الخديوية ودار الآثار العربية "متحف الفن الإسلامى حالياً" فى ميدان باب الخلق ميدان أحمد ماهر فيما بعد، وخصص الطابق الأرضى من المبنى لدار الآثار العربية، وطابقه الأول بمدخل مستقل لدار الكتب الخديوية، وفى 5 مارس 1904 افتتحت الكتبخانة أبوابها للجمهور.
ونظرًا لتطوير حركة التأليف والترجمة فى مختلف العلوم، فى مصر، فى بداية القرن العشرين، ومع حلول 1930 ضاقت مخازن دار الكتب بمختلف أنواع المقتنيات، وبموظفيها وروادها من المطالعين، وحسب موقع دار الكتب والوثائق لذلك أخذت الدار منذ ذلك التاريخ تطالب بإنشاء مبنى جديد يساير التطور العالمى فى نظم المكتبات الحديثة فى ذلك الوقت.
وفى عام 1935 وقع الاختيار مبدئياً على أرض الحكومة بجهة درب الجماميز، واختير موقعا "بأول شارع تحت الربع"، لقربه من مكان الدار فى ذلك الوقت الذى اشتهرت به. ورأى المجلس عام 1938 أن خير موضع تبنى فيه دار الكتب هو أرض سراى الإسماعيلية، وقرر فى مارس من العام نفسها الشروع فى عمل مسابقة عالمية، لوضع التصميمات اللازمة للمبنى الجديد، وفى يونيو 1938 وافق المجلس الأعلى للدار على الرسم التخطيطى للمبنى الجديد، كما ورد للدار صورة من خطاب مصلحة المبانى الأميرية لوزارة الأشغال بطلب اعتماد مبلغ 150 ألف جنيه، لإمكان الشروع فى تنفيذ المبنى الجديد، وفي يوليو 1938 كتب وزير المعارف – محمد حسين هيكل باشا- إلى وزارة المالية يطلب تخصيص جزء من الاعتماد المدرج فى عام 1938 فى ميزانية مصلحة المبانى للبدء فى المبنى الجديد لدار الكتب، ووضعت الخطة بحيث يبدأ البناء سنة 1939، إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية قد عوق بدء البناء.
وفى عام 1959، طالب ثروت عكاشة وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى لدار الكتب آنذاك، بتمويل مشروع المبنى الجديد للدار، من ريع أوقاف الدار، وفى 23 يوليو 1961، وضع حجر الأساس للمبنى الجديد على كورنيش النيل برملة بولاق، وبداء في نقل رصيد الدار والموظفين إلى المبنى الجديد تدريجيا ابتداء من سنة 1971 وحتى 1978 وذلك بالرغم من عدم استكمال المبنى، لانتقال دار الوثائق التاريخية، والمكتبة المركزية من قصر عابدين إلى مبني باب الخلق.
وبالرغم من أن هذا المبنى خصص فى الأساس لدار الكتب المصرية ومراكزها العلمية ومطبعتها الملحقة بها، إلا أنه عند افتتاحه عمليا لم يخصص لدار الكتب وشاركته الهيئة المصرية العامة للكتاب، التى أنشئت عام 1971، لتضم دار الكتب المصرية ودار الوثائق القومية ودار التأليف والنشر، وتم افتتاحه فى 8 أكتوبر 1979، ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا المبنى الجديد يعرف باسم الهيئة المصرية العامة للكتاب، إلى أن صدر القرار الجمهورى رقم (176) لسنة 1993م بإنشاء "الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، والتى أصبحت تشغل حالياً المبانى والمنشآت الآتية: المبنى التاريخى لدار الكتب بباب الخلق، مبنى الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بكورنيش النيل، مبنى مخازن الهيئة بساحل روض الفرج (المبيضة)، مباني المكتبات الفرعية موزعة بأرجاء القاهرة الكبرى، وعلى الرغم من أن دار الكتب قد انفصلت عملياً بمقتضى القرار الجمهوري - سالف الذكر- عن الهيئة العامة للكتاب، وأصبح كل منهما هيئة مستقلة، إلا أنه منذ هذا التاريخ (1993) يشارك كل منهما الآخر فى مبنى كورنيش النيل.