نواصل مع المفكر العربي الكبير جواد على (1907 - 1987) قراءة تاريخ العرب قبل الإسلام، وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام"، ونتساءل معه عن العلاقة بين العرب والعبرانيين؟
يقول جواد على: لم تذكر التوراة "العرب" في مواليد بني نوح: سام، وحام، ويافث، ولكنها ذكرت أسماء قبائل لا شك في أصلها العربي، وفي سكناها في جزيرة العرب. وهذا يؤيد ما ذهبت إليه من أن كلمة "العرب" لم تكن تعني قومية خاصة، ولم تكن تؤدي معنى العلمية، وإنما ترادف "الأعراب" والبدو، أي: سكان البادية؛ ولهذا لم تذكر في جدول الأنساب، وذكرت في مواضع أخرى من التوراة، لها علاقة بالبادية والتبدي والأعرابية، وإلا لم تسكت عن ذكر العرب بين الشعوب المصنفة في الجدول المذكور، وقد كان العرب يجاورون العبرانيين وكانوا على اتصال بهم دائما، فكان ينبغي ذكرهم في ذلك الجدول، لو كانت هذه التسمية تعني العلمية في الأصل، وتعني جميع سكان جزيرة العرب من حضر وبدو. أما وهي لم تكن تعني إلا قسمًا من العرب، وهم الأعراب أي: حالة خاصة من الحالات الاجتماعية؛ فلذلك لم تذكر، ومن ذكر في الجدول كلهم حضر مقيمون يعرفون بأسمائهم، وهم معروفون، أو قبائل أعرابية عرف العبرانيون أسماءها فذكروها، فمن طبع العبرانيين إطلاق لفظة "العرب" على الأعراب الذين لا يعرفون أسماءهم وعلى البدو عامة دون تخصيص.
والبدو هم طبقة عاشت عيشة خاصة، ولم تكن قبيلة واحدة أو قبائل معينة محدودة يمكن حصرها وإرجاعها إلى نسب واحد، على نحو ما نفهم من كنعانيين وفينيقيين، ثم إن الأعراب لم يكونوا ينتسبون إلى جد واحد ولا إلى أب معين؛ لذلك لم تدخلهم التوراة في عداد الشعوب.
وقد ذهبت جماعة من المستشرقين إلى أن العبرانيين هم قوم أصلهم من جزيرة العرب، هاجروا منها وارتحلوا عنها على طريقة الأعراب والقبائل المعروفة نحو الشمال, وجزيرة العرب لذلك هي الوطن الأم الذي ولد فيه العبرانيون. ودليلهم على ذلك هو الشبه الكبير بين حياة العبرانيين وحياة الأعراب، وأن ما ورد في التوراة وفي القصص الإسرائيلي عن حياة العبرانيين ينطبق على طريقة الحياة عند العرب أيضا، ثم إن أصول الديانة العبرانية القديمة وأسسها ترجع إلى أصول عربية قديمة. أضف إلى ذلك أن العرب والإسرائيليين ساميون، وجزيرة العرب هي مهد الجنس السامي، فالعبرانيون على رأيهم هم من جزيرة العرب، وهم جماعة من العرب إذًا إن صحت هذه التسمية، بطرت على أمها وعاقتها وهربت منها إلى الشمال.
وإذا جارينا التوراة في قولها بالأنساب، نرى أن العرب والعبرانيين هم على رأيها من أصل واحد، هو سام بن نوح، ونرى أيضا أنها تعترف ضمنًا بقدم "اليقطانيين"، أي "القحطانيين على الإسرائيليين. فاليقطانيون هم أبناء يقطان بن عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام. وعلى ذلك فهم أقدم عهدًا من بني إسرائيل، وأعرق حضارة ومدنية منهم، ولا سيما إذا ما عرفنا أن كلمة "عبري" على رأي كثير من العلماء تعني التحول والتنقل، أي: البداوة، أي: إنهم كانوا بدوا أعرابا يتنقلون في البادية قبل مجيئهم إلى فلسطين واستقرارهم بها وتحضرهم، على حين كان القحطانيون متحضرين مستقرين أصحاب مدن وحضارة. كذلك جعلت التوراة الفرع العربي الآخر الذي وضعته في قائمة أبناء "كورش" أقدم عهدًا من الإسرائيليين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة