حين نعود للوراء لنرى ما كانت عليه مصر فى الخمسينات والستينات ندرك كيف كنا نسبق العالم ونتعامل بفكر راق يتعامل مع المرأة والفنون باحترام وتقدير، وذلك قبل أن يغزونا الفكر المتشدد الذى كلما وجد أرضا خصبة ظهر فى النظرة المتطرفة للفن والمرأة، محاولا ً تحريم كل شيئ والنظر بدونية لكل أشكال الفن ولدور المرأة فى المجتمع.
وإذا عدنا إلى فترة الخمسينات والستينات ونظرة كبار رجال الدين للفن والمرأة سنعرف مدى ما كنا عليه قبل أن يسيطر الفكر المتشدد على بعض العقول مستخدما قناع الدين، ويكفى هنا أن نعرض بعضا من أفكار، وآراء الشيخ الجليل أحمد حسن الباقورى الذى تولى منصب وزير الأوقاف فى أول وزارة بع ثورة يوليو 1952 وحتى عام 195، والذى كشف فى حوار أجرته مجلة الكواكب عام 1956 اثناء توليه الوزارة عن مدى تفتح هذا الرجل واستنارته ونظرته الراقية للفنون ومنها فن التمثيل والسينما.
ففى عدد نادر من مجلة الكواكب صدر بتارريخ 20 مارس 1956 أهداه لنا المؤرخ الفنى نعيم المامون نشرت المجلة حوارا الشيخ الجليل تحت عنوان: " الباقورى يقول: أنا أمثل فى كثير من الأوقات ولا أمانع فى ظهور الأئمة على الشاشة"
الشيخ أحمد حسن الباقوري وابنته عام 1955
وخلال الحوار سأل محرر المجلة الكاتب الصحفى لطفى رضوان الشيخ الباقورى مشيرا إلى أن طريقة الوعظ والإرشاد على المنابر وفى المساجد أصبحت قديمة وبالية وعن إمكانية استخدام السينما لتبصير الناس بأمور دينهم، فأجاب الشيخ الباقورى مؤكدا أنه فكر فى استخدام السينما والأفلام السينمائية وان تخرج وزارة الأوقاف أفلاما عن الإسلام وتعاليمه السمحة.
والأكثر من ذلك أن الشيخ أحمد حسن الباقورى أكد خلال الحوار أنه فكر فى أن يلحق بالمساجد دور سينما لعرض هذه الأفلام ، وهى الفكرة التى لو قالها أحد الآن لتعرض للنقد الشديد والاتهام والتجريح بأنه يخالف شرع الله بل وقد يتهم بالكفر والزندقة.
صورة تجمع الشيخ الباقورى وأسرته والفنان نور الشريف والفنانة نورا فى سهرة رمضانية
وأشار الشيخ الباقورى إلى أن وزارة الأوقاف تعتزم عقد مسابقة بين الأدباء لتأليف القصص الإسلامية ذات المغزى وتخصيص جوائز مالية لهذه المسابقة الكبرى تمهيدا لإعدادها كأفلام تعرض بالمجان للجمهور فى صالات العرض المزمع إنشاؤها فى المساجد الجديدة التابعة للوزارة ، وعلق الباقورى، قائلا:" هكذا ترانى متحررا ً طالما أن هذا التحرر يؤدى إلى تثقيف الشعب والاستزادة من أمور المعرفة بالدين والدنيا"
فما كان من المحرر إلا أن سأل الشيخ الباقورى:" وهل تمثل فى هذه الأفلام؟"
فأجاب الشيخ الجليل: إننى أمثل فى كثير من الأوقات، فوقوفى فى مواقف الخطابة وحديثى إلى الجماهير، والتقاط الصور وعرضها فى مجلة فنية ، كل هذا يدخلنى فعلاً فى زمرة النجوم".
وتابع الشيخ الباقورى:"لكننى سأنزل إلى ميدان التأليف السينمائى، ولعل فى هذا ما يشجع الأدباء فنفوز بأروع القصص عن مآثر الإسلام ومصر الحديثة"
وسأل محرر الكواكب وزير الأوقاف وقتها مشيرا إلى أن الوزارة دخلت الميدان التجارى فأنشأت العمارات السكنية والشركات التجارية فلماذا لا تنشىء مسارح ودور سينما.
فاجاب الشيخ المستنير:" سنفعل ذلك بعد أن نتتهى من بناء العمارات السكنية التى ارتبطنا بانشائها، فسأنشئ أكثر من مسرح ودور عرض سينمائى لتنفرج أزمة دور العرض وبذلك نحقق رغبات الشعب"
وسألت الكواكب وزير الأوقاف إن كان يمكنه التدخل لتذليل العقبات أمام من يحاولون إنتاج أفلام يظهر فيها الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة، فأجاب الباقورى بأنه سيخطو خطوة قد يخالف بها بعض علماء الأزهر وهو أنه لا يعارض تقديم شخصيات ائمة المسلمين الذين برزوا فى الميدان السياسى أكثر من بروزهم فى الميدان الدينى مثل عمرو بن العاص وهارون الرشيد ويزيد بن معاوية، مؤكداً رفضه ظهور وتجسيد شخصيات الخلفاء الراشدين لما لهم من قدسية.
وأوضح الباقورى إلى أنه يشاهد السينما أحيانا، مشيرا إلى أنه شاهد فيلم حصار طروادة ، وأعجب بالفيلم وببطلته.
واختتم محرر الكواكب لطفى رضوان حواره مع الشيخ الجليل بسؤال حول من تعجبه من الفنانات المصريات، فأجاب الباقورى:"تعجبنى السيدة الفاضلة امينة رزق ، كما يعجبنى صوت وغناء ليلى مراد، وأنت تقول أن ليلى فوزى جميلة، إذن سأعجب بها على مسئوليتك"
عدد مجلة الكواكب النادر إهداء المؤرخ الفنى نعيم المامون
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة