حالة من البحث الدائم تهيمن على المراكز البحثية في العالم للتوصل إلى عقار لعلاج فيروس "كورونا"، والذى بات يمثل تهديدا لا يقل ضراوة الحروب، وهو الأمر الذى ربما يستغرق وقتا لن يقل عن عام، مما يثير قلاقل كبيرة لدى العديد من الدول في مختلف مناطق العالم، خاصة تلك المنكوبة جراء كثرة الإصابات والضحايا، على غرار إيران، وإيطاليا، وعددا من بلدان أوروبا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، والتي شهدت زيادة كبيرة مؤخرا في أعداد المصابين.
ولعل حالة البحث الدائم عن علاج للفيروس القاتل كشفت عن حالة من الصراع الجديد بين دول العالم، حول ما يمكننا تسميته بـ"الريادة الطبية" للعالم، في إطار حالة دولية تتشكل خلالها ملامح النظام الدولى الجديد، سيكون فيها التقدم العلمى أولوية مهمة في المرحلة المقبلة، خاصة بعد متغيرات واضحة، لا تقتصر في نطاقها على الجانب السياسى، وإنما تمتد إلى جوانب أخرى لا تقل أهمية، من بينها الاقتصاد والتكنولوجيا، وغيرها.
إلا أن الجديد الذى قدمته أزمة "كورونا" الدولية، هو أن ميزان القوى تغير ليس فقط فيما يتعلق بالسياسة والاقتصاد، وإنما امتد إلى مجال الطب، والذى كانت فيه أوروبا الغربية والولايات المتحدة، دائما في موقع الصدارة، حيث عجز علماء وباحثو المعسكر الغربى عن إيجاد عقار من شأنه إنقاذ البشرية من خطر داهم، وصفه بعض المحللون بأنه الأخطر منذ زمان انتشار الطاعون، وهو ما يعكس صرامة الإجراءات التي اتخذتها مختلف الحكومات باختلاف تصنيفاتها، سواء كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية، أو ليبرالية أو يمينية أو غيرها، لاحتواء التفشى غير المسبوق للفيروس القاتل.
فلو نظرنا إلى الكيفية التي تشكلت بها الأنظمة الدولية السابقة، نجد أن ثمة تطورات كبيرة تشهدها معايير القوى المهيمنة على العالم، فعندما تشاركت القوتين البريطانية والفرنسية في السيطرة على العالم، كان المعيار العسكرى هو الحاكم، بينما أصبحت القوة العسكرية إلى جانب الاقتصاد هي مؤهلات الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى لتقاسم الهيمنة على النظام الدولى، في حين أصبح الاقتصاد والنفوذ السياسى، عبر التحالفات والانتشار العسكرى، هي سبيل واشنطن للاحتفاظ بصدارة العالم منفردة، في أعقاب الحرب الباردة.
ولكن يبقى التقدم العلمى معيارا جديدا لتحديد هوية القوى المهيمنة على النظام الدولى الجديد، والذى يبقى في طور الإعداد، مع ظهور قوى دولية جديدة، تسعى لمزاحمة النفوذ الأمريكي، خاصة بعدما عجزت واشنطن وحلفائها في دول أوروبا الغربية، على الأقل حتى اللحظة الراهنة، في إيجاد علاج لأزمة كورونا، لتترك المجال لمحاولات حقيقية لقوى أخرى، لفرض كلمتها في هذا المجال.
محاولات القوى الجديدة، على غرار الصين وروسيا، ربما تتميز بقدر من الجماعية، عبر التعاون فيما بينها لتطوير عقار من شأنه احتواء الأزمة الراهنة، ليس فقط داخل حدوها وإنما للترويج لقدرتها على حماية البشرية من الأخطار الداهمة التي تهدد بقائها، في الوقت الذى فشلت فيه القوى التقليدية عن حماية نفسها.
وهنا يمكننا القول بأن كورونا يقدم ليس فقط معطيات جديدة لتدشين نظام دولى جديد، وإنما يضع أيضا معايير للقوى الدولية التي يمكنها السيطرة على العالم في الفترة المقبلة، حيث أنه يعد بمثابة اختبار حقيقى ليس لقدرة الدول على حماية نفسها من المخاطر والتهديدات، وإنما أيضا قدرتها على حماية العالم، حتى تكون مؤهلة للبقاء في الصدارة خلال الحقبة الجديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة